مختصر منهاج السنة
لأبي العباس شيخ الإسلام أحمد بن تيمية
رحمه الله
اختصره
الشيخ عبد الله الغنيمان
المدرس بقسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية
بالمدينة المنورة
الجزء الأول 1410ه
Unknown page
المقدمة
الحمد لله مظهر الحق ومعليه، وقاطع الباطل وذويه، قال الله تعالى: {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون} ، {وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا} ، {قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد} . أحمده حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
أما بعد: (فإن منهاج السنة النبوية في نقض دعاوي الرافضة والقدرية) من أعظم كتب الإمام المجاهد الصابر المصابر شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية، قد ناضل فيه عن الحق وأهله، ودحض الباطل وفضحه. وشباب الاسلام اليوم بأمس الحاجة إلى قراءة هذا الكتاب،
ومعرفة محتواه حيث أطل الرفض على كل بلد من بلاد الاسلام، وغيرها بوجهه الكريه، وكشر عن أنيابه الكالحة، وألقى حبائله أمام من لا يعرف حقيقته، مظهرا غير مبطن ديدن كل منافق مفسد ختال، فاغتر به من يجهل حقيقته، ومن لم يقرأ مثل هذا الكتاب.
والغالب على مذاهب أهل البدع والأهواء، أنها تتراجع عن الشطح وعظيم الضلال ما عدا مذهب الرفض فإنه يزداد بمرور الأيام تطرفا وانحدارا، وتماديا في محاربة أولياء الله وأنصار دينه، وقد ملئت كتب الرافضة بالسباب والشتائم واللعنات لخير خلق الله بعد الأنبياء، أعني، أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورضي الله عنهم، وهم لا يتورعون عن تكفير الصحابة، ولا سيما كبارهم وسادتهم، مثل أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وإخوانهم _ رضوان الله عليهم _ الذين اطفؤوا نار المجوس، وهدموا معبوداتهم، وإكفار الصحابة ومن يتولاهم في كتبهم المعتمدة عندهم لا يحصره نقل، فهم يتعبدون
Page 7
بلعن صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويعتقدون أن الشيعة بأئمتهم هم الناس، وما عداهم همج للنار وإلى النار، والله لا يقبل من مسلم حسنة مهما بالغ في الإحسان ما لم يكن شيعيا كما في كتابهم (الوافي، الباب السابع والثامن بعد المائة) ، وفي (الكافي) أحد الكتب الموثوق بها - عندهم - ما يبين عن حقدهم الدفين على الاسلام ومن جاء به، ومن حمله واعتنقه، وهم يرون أن القرآن نزل لشيئين أحدهما: الثناء والمدح على علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وإعلاء شأنه وذريته، والثاني: ثلب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر معايبهم، ولهذا قالوا: إنه ضاع من القرأن ثلثاه أو ثلاثة أرباعه، وهم يعتمدون في دينهم على الكذب الذي يلصقونه بأئمتهم، والادعاءات الكاذبة فصاروا من أكذب الناس، وأكثرهم تصديقا للكذب، وتصديقا بالباطل، ومع ذلك يرمون الصحابة بالنفاق، ونبتهل إلى الله تعالى أن يزيدهم غيظا وأن يكبتهم بكمدهم وكل من غاظه الاسلام.
ولما كان كتاب منهاج السنة مشتملا على مباحث مطولة. وغير مطولة في الرد على القدرية والمتكلمين وغيرهم من سائر الطوائف أحببت أن أجرد ما يخص الرافضة من الرد عليهم فيما يتعلق بالخلافة والصحابة وأمهات المؤمنين وغير ذلك. ولم أضف إليه شيئا من عندي، لا في أصله،
ولا تعليقا، لأن كلام الإمام ابن تيمية فيه من القوة والرصانة والمتانة ما يغني عن كل تعليق، وعليه من نور الحق ووضوح البيان وقوة الحجة ما لا يحتاج إلى غيره. فالله يجزيه على جهاده ومنافحته عن الاسلام وأهله خير الجزاء، ونسأله تعالى أن يشركنا معه في جهاده وجزائه إنه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأزواجه وأصحابه.
Page 8
قال شيخ الإسلام:
الحمد لله الذي {بعث النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} (1) .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كما شهد هو سبحانه وتعالى أنه لا إله إلا هو، والملائكة، وأولو العلم، قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ختم به أنبياءه، وهدى به أولياءه، ونعته بقوله في القرآن الكريم: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم. فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم} (2) . صلى الله عليه أفضل صلاة وأكمل تسليم.
(أما بعد) : فإنه أحضر إلي طائفة من أهل السنة والجماعة كتابا صنفه بعض شيوخ الرافضة، في عصرنا منفقا لهذه البضاعة، يدعو به إلى
مذهب الرافضة الإمامية، من أمكنه دعوته من ولاة الأمور وغيرهم، أهل الجاهلية، ممن قلت معرفتهم بالعلم والدين، ولم يعرفوا أصل دين المسلمين.
وأعانه على ذلك من عادتهم إعانة الرافضة، من المتظاهرين بالإسلام، من أصناف الباطنية الملحدين، الذي هم في الباطن من الصابئة الفلاسفة الخارجين عن حقيقة متابعة المرسلين، الذين لا يوجبون اتباع دين الإسلام، ولا يحرمون اتباع ما سواه من الأديان، بل يجعلون الملل بمنزلة المذاهب السياسية التي يسوغ أتباعها، وأن النبوة من السياسة العادلة التي وضعت لمصلحة العامة في الدنيا.
Page 9
فإن هذا الصنف يكثرون ويظهرون إذا كثرت الجاهلية وأهلها، ولم يكن هناك من أهل العلم بالنبوة والمتابعة لها من يظهر أنوارها الماحية لظلمة الضلال، ويكشف ما في خلافها من الإفك والشرك والمحال.
وهؤلاء لا يكذبون بالنبوة تكذيبا مطلقا، بل هم يؤمنون ببعض أحوالها ويكفرون ببعض الأحوال، وهم متفاوتون فيما يؤمنون به ويكفرون من تلك الخلال، فلهذا يلتبس أمرهم بسبب تعظيمهم للنبوات على كثير من أهل الجهالات.
والرافضة والجهمية هم الباب لهؤلاء الملحدين، ومنهم يدخلون إلى أصناف الإلحاد في أسماء الله وفي آيات كتابه المبين، كما قرر ذلك رؤوس الملحدة من القرامطة الباطنية، وغيرهم من المنافقين.
وذكر من أحضر هذا الكتاب أنه من أعظم الأسباب في تقرير مذاهبهم عند من مال إليهم، من الملوك وغيرهم، وقد صنفه للملك المعروف الذي سماه: خدابنده، وطلبوا مني بيان ما في هذا الكتاب من الضلال وباطل الخطاب، لما في ذلك من نصر عباد الله المؤمنين، وبيان بطلان أقوال المفترين الملحدين، فأخبرتهم أن هذا الكتاب وإن كان من أعلى ما يقولونه في باب الحجة والدليل، فالقوم من أضل الناس عن سواء السبيل. فإن الأدلة إما نقلية، وإما عقلية، والقوم من أضل الناس في المنقول والمعقول، في
المذهب التقرير، وهم من أشبه الناس بمن قال الله تعالى فيهم: {وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} (1) .
وهم من أكذب الناس في النقليات، ومن أجهل الناس في العقليات، يصدقون من المنقول بما يعلم العلماء بالاضطرار أنه من الأباطيل، ويكذبون بالمعلوم من الاضطرار المتواتر أعظم تواتر في الأمة جيلا بعد جيل.
ولا يميزون في نقلة العلم ورواة الأخبار بين المعروف الكذب، أو الغلط، أو الجهل، بما ينقل، وبين العدل الحافظ الضابط المعروف بالعلم، والآثار، وعمدتهم في نفس الأمر على التقليد، وإن ظنوا إقامته بالبرهانيات. فتارة يتبعون المعتزلة والقدرية، وتارة يتبعون المجسمة والجبرية.
Page 10
وهم من أجهل هذه الطوائف بالنظريات، ولهذا كانوا عند عامة أهل العلم والدين، من أجهل الطوائف الداخلين في المسلمين، ومنهم من أدخل على الدين من الفساد، ما لا يحصيه إلا رب العباد فملاحدة الاسماعيلية، والنصيرية، وغيرهم من الباطنية المنافقين، من بابهم دخلوا.
وأعداءالاسلام من المشركين وأهل الكتاب بطريقهم وصلوا، واستولوا بهم على بلاد الإسلام، وسبوا الحريم، وأخذوا الأموال، وسفكوا الدم الحرام، وجرى على الأمة بمعاونتهم من فساد الدنيا والدين ما لا يعلمه إلا رب العالمين.
إذا كان أصل المذهب من إحداث الزنادقة المنافقين، الذين عاقبهم في حياته علي أمير المؤمنين - رضي الله عنه - فحرق منهم طائفة بالنار، وطلب قتل بعضهم ففروا من سيفه البتار، وتوعد بالجلد طائفة مفترية فيما عرف عنه من الأخبار، إذ قد تواتر عنه من الوجوه الكثيرة أنه قال. على منبر الكوفة، وقد أسمع من حضر: ((خير هذه الأمة بعد نبيها، أبو بكر ثم عمر)) (1)
وبذلك أجاب ابنه محمد بن الحنفية، فيما رواه البخاري، في صحيحه وغيره من علماء الملة الحنيفية.
ولهذا كانت الشيعة المتقدمون الذين صحبوا عليا، أو كانوا في ذلك الزمان، لم يتنازعوا في تفضيل أبي بكر وعمر، وإنما كان نزاعهم في تفضيل علي وعثمان، وهذا مما يعترف به علماء الشيعة الأكابر من الأوائل والأواخر حتى ذكر مثل ذلك أبو القاسم البلخي.
قال: سأل سائل شريك بن عبد الله، فقال له أيهما أفضل أبو بكر أو علي؟ فقال له: أبو بكر. فقال له السائل: تقول هذا وأنت شيعي؟ فقال له نعم. من لم يقل هذا فليس شيعيا، والله لقد رقى هذه الأعواد علي، فقال: ألا إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر فكيف نرد قوله؟ وكيف نكذبه؟ والله ما كان كذابا. نقل هذا عبد الجبار الهمداني في كتاب تثبيت النبوة (2) .
قال ذكره أبو القاسم البلخي في النقض على ابن الراوندي على اعتراضه على الجاحظ.
Page 11
(فصل)
</span>
فلما ألحوا في طلب الرد لهذا الضلال المبين، ذاكرين أن في الإعراض عن ذلك خذلانا للمؤمنين، وظن أهل الطغيان نوعا من العجز عن رد البهتان، فكتبت ما يسره الله تعالى من البيان، وفاء بما أخذه الله من الميثاق على أهل العلم والإيمان، وقياما بالقسط وشهادة لله، كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تولوا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا} (1) ... .
واللي هو تغيير الشهادة، والإعراض هو كتمانها.
والله تعالى قد أمر بالصدق والبيان، ونهى عن الكذب والكتمان، فيما يحتاج إلى معرفته وإظهاره، كما قال صلى الله تعالى عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: ((البيعان بالخيار مالم يتفرقا فإن صدقا وبينا، بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما)) (2) .
لا سيما الكتمان إذا لعن آخر هذه الأمة أولها، كما في الأثر (إذا لعن آخر هذه الأمة أولها، فمن كان عنده علم فليظهره، فإن كاتم العلم يومئذ ككاتم ما أنزل الله على محمد) (3) .
وذلك أن أول هذه الأمة هم الذين قاموا بالدين، تصديقا وعلما وعملا، وتبليغا، فالطعن فيهم طعن في الدين، موجب للإعراض عما بعث الله به النبيين.
وهذا كان مقصود أول من أظهر بدعة التشيع، فإنما كان قصده الصد عن سبيل الله، وإبطال ما جاءت به الرسل عن الله تعالى، ولهذا كانوا
يظهرون ذلك بحسب ضعف الملة، فظهر في الملاحدة حقيقة هذه البدعة المضلة.
لكن راج كثير منها على من ليس من المنافقين الملحدين، لنوع من الشبهة والجهالة المخلوطة بهوى، فقبل معه الضلالة وهذا أصل كل باطل، قال تعالى: {والنجم إذا
Page 12
هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} فنزه الله رسوله عن الضلال والغي، والضلال عدم العلم، والغي اتباع الهوى كما قال تعالى {وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا} (1) فالظلوم غاو، والجهول ضال، إلا من تاب الله عليه.
وهذا حال أهل البدع المخالفة للكتاب والسنة، فإنهم إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس، ففيهم جهل وظلم، لا سيما الرافضة، فإنهم أعظم ذوي الأهواء جهلا وظلما، يعادون خيار أولياء الله تعالى - من بعد النبيين، من السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان - رضي الله عنه - م ورضوا عنه، ويوالون الكفار والمنافقين من اليهود والنصارى والمشركين وأصناف الملحدين، كالنصيرية والإسماعيلية وغيرهم من الضالين، فتجدهم أو كثيرا منهم إذا اختصم خصمان في ربهم من المؤمنين والكفار، واختلف الناس فيما جاءت به الأنبياء فمنهم من آمن ومنهم من كفر، سواء كان الاختلاف بقول أو عمل، كالحروب التي بين المسلمين وأهل الكتاب والمشركين.
تجدهم يعاونون المشركين وأهل الكتاب على المسلمين أهل القرآن، كما قد جربه الناس منهم غير مرة، في مثل إعانتهم للمشركين من الترك وغيرهم على أهل الإسلام، بخراسان والعراق والجزيرة والشام، وغير ذلك.
وإعانتهم للنصارى على المسلمين بالشام، ومصر وغير ذلك في وقائع متعددة.
من أعظم الحوادث التي كانت في الإسلام، في المائة الرابعة والسابعة، فإنه لما قدم كفار الترك إلى بلاد الإسلام، وقتل من المسلمين ما لا يحصي
عدده إلا رب الأنام، كانوا من أعظم الناس عداوة للمسلمين ومعاونة للكافرين، وهكذا معاونتهم لليهود أمر شهير، حتى جعلهم الناس لهم كالحمير.
(فصل)
مشابهة الرافضة لليهود والنصارى من وجوه كثيرة
وهذا المصنف سمى كتابه: منهاج الكرامة في معرفة الإمامة، وهو خليق بأن يسمى: منهاج الندامة، كما أن من ادعى الطهارة، وهو من الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم، بل من
Page 13
أهل الجبت والطاغوت والنفاق، كان وصفه بالنجاسة والتكدير، أولى من وصفه بالتطهير.
ومن أعظم خبث القلوب أن يكون في قلب العبد غل لخيار المؤمنين، وسادات أولياء الله بعد النبيين، ولهذا لم يجعل الله تعالى في الفيء نصيبا لمن بعدهم، إلا الذين يقولون: {ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم} .
ولهذا كان بينهم وبين اليهود من المشابهة واتباع الهوى وغير ذلك من أخلاق اليهود.
وبينهم وبين النصارى من المشابهة في الغلو والجهل، واتباع الهوى وغير ذلك من أخلاق النصارى، ما أشبهوا به هؤلاء من وجه وهؤلاء من وجه، وما زال الناس يصفونهم بذلك.
ومن أخبر الناس بهم الشعبي، وأمثاله من علماء الكوفة.
وقد ثبت عن الشعبي أنه قال: ما رأيت أحمق من الخشبية، لو كانوا من الطير لكانوا رخما، ولو كانوا من البهائم لكانوا حمرا، والله لو طلبت منهم أن يملؤا هذا البيت ذهبا على أن أكذب على علي لأعطوني، والله ما أكذب عليه أبدا، وقد روي هذا الكلام عنه مبسوطا لكن، الأظهر أن المبسوط من كلام غيره.
كما روى أبو حفص بن شاهين (1) في كتاب اللطف في السنة: حدثنا محمد بن أبي القاسم بن هارون، حدثنا أحمد بن الوليد الواسطي، حدثني جعفر بن نصير الطوسي الواسطي، عن عبد الرحمن بن مالك بن مغول، عن أبيه، قال. قال الشعبي: أحذركم أهل هذه الأهواء المضلة، وشرها الرافضة، لم يدخلوا في الإسلام رغبة ولا رهبة، ولكن مقتا لأهل الاسلام وبغيا عليهم ، وقد حرقهم علي - رضي الله عنه - ونفاهم إلى البلدان.
ومنهم عبد الله بن سبأ من يهود صنعاء، نفاه إلى سباباط، وعبد الله بن يسار نفاه إلى خاذر، وآية ذلك أن محنة الرافضة، محنة اليهود. قالت اليهود: لا يصلح الملك إلا في آل داود، وقالت الرافضة لا تصلح الإمامة إلا في ولد علي، وقالت اليهود: لا جهاد في
Page 14
سبيل الله حتى يخرج المسيح الدجال، وينزل سيف من السماء، وقالت الرافضة: لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المهدي، وينادي مناد من السماء.
واليهود يؤخرون الصلاة إلى اشتباك النجوم، وكذلك الرافضة يؤخرون المغرب إلى اشتباك النجوم، والحديث عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال: ((لا تزال أمتي على الفطرة مالم يؤخروا المغرب إلى اشتباك النجوم)) (1) .
واليهود تزول عن القبلة شيئا، وكذلك الرافضة، واليهود تنود في الصلاة، وكذلك الرافضة، واليهود تسدل أثوابها في الصلاة، وكذلك الرافضة.
واليهود لا يرون على النساء عدة، وكذلك الرافضة، واليهود حرفوا التوراة، وكذلك الرافضة حرفوا القرآن. واليهود قالوا: افترض الله علينا خمسين صلاة، وكذلك الرافضة.
واليهود لا يخلصون السلام على المؤمنين إنما يقولون: السام عليكم _ والسام الموت _ وكذلك الرافضة، واليهود لا يأكلون الجري (2) والمرماهى. والذناب، وكذلك الرافضة.
واليهود لا يرون المسح على الخفين، وكذلك الرافضة.
واليهود يستحلون أموال الناس كلهم، وكذلك الرافضة. وقد أخبرنا الله عنهم في القرآن أنهم: {قالوا ليس علينا في الأميين سبيل} (3) وكذلك الرافضة.
واليهود تسجد على قرونها في الصلاة، وكذلك الرافضة، واليهود لا تسجد حتى تخفق برؤوسها مرارا شبه الركوع، وكذلك الرافضة.
واليهود تبغض جبريل، ويقولون هو عدونا من الملائكة، وكذلك الرافضة، يقولون غلط جبريل بالوحي على محمد.
Page 15
وكذلك الرافضة وافقوا النصارى في خصلة: النصارى ليس لنسائهم صداق إنما يتمتعون بهن تمتعا، وكذلك الرافضة يتزوجون بالمتعة، ويستحلون المتعة، وفضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلتين، سئلت اليهود: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى، وسئلت النصارى من خير أهل ملتكم؟ قالوا: حواري عيسى. وسئلت الرافضة من شر أهل ملتكم؟ قالوا أصحاب محمد.
أمروا بالاستغفار لهم، فسبوهم والسيف عليهم مسلول إلى يوم القيامة، لا تقوم لهم راية، ولا يثبت لهم قدم ولا تجتمع لهم كلمة، ولا تجاب لهم دعوة، دعوتهم مدحوضة، وكلمتهم مختلفة، وجمعهم متفرق، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله.
(قلت) : هذا الكلام بعضه ثابت عن الشعبي كقوله: لو كانت الشيعة من البهائم لكانوا حمرا، ولو كانت من الطير لكانوا رخما، فإن هذا ثابت عنه.
قال ابن شاهين: حدثنا محمد بن العباس النحوي، حدثنا إبراهيم الحربي، حدثنا أبو الربيع الزهراني، حدثنا وكيع بن الجراح، حدثنا مالك بن مغول، فذكره وأما السياق المذكور، فهو معروف عن عبد الرحمن بن مالك بن مغول، عن أبيه، عن الشعبي.
وروى أبو عاصم خشيش بن أصرم (1) في كتابه ورواه من طرقه أبو عمرو الطلمنكي، في كتابه في الأصول، قال. حدثنا ابن جعفر الرقي، عن عبد الرحمن بن مالك بن مغول، عن أبيه، قال قلت لعامر الشعبي: ما ردك عن هؤلاء القوم، وقد كنت فيهم رأسا، قال رأيتهم يأخذون بأعجاز لا صدور لها.
ثم قال لي: يا مالك لو أردت أن يعطوني رقابهم عبيدا، أو يملؤا لي بيتي ذهبا، أو يحجوا إلى بيتي هذا، على أن أكذب على علي - رضي الله عنه - لفعلوا، ولا. والله أكذب عليه أبدا، يا مالك إني قد درست أهل الأهواء فلم أر فيهم أحمق من الخشبية، فلو كانوا من الطير لكانوا رخما، ولو كانوا من الدواب لكانوا حمرا، يا مالك لم يدخلوا في الإسلام رغبة فيه لله ولا رهبة من الله، ولكن مقتا من الله عليهم، وبغيا منهم على أهل الإسلام.
يريدون أن يغمصوا دين الإسلام، كما غمص بولص بن يوشع ملك اليهود دين
Page 16
النصرانية، ولا تتجاوز صلاتهم آذانهم.
قد حرقهم علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بالنار، ونفاهم من البلاد.
منهم عبد الله بن سبأ، يهودي من يهود صنعاء، نفاه إلى ساباط وأبو بكر الكروس، نفاه إلى الجابية، وحرق منهم قوما، أتوه فقالوا: أنت هو. فقال: من أنا. فقالوا: أنت ربنا. فأمر بنار فأججت، فألقوا فيها، وفيهم قال علي - رضي الله عنه -:
لما رأيت الأمر أمرا منكرا ... أججت ناري ودعوت قنبرا
يا مالك إن محنتهم محنة اليهود، قالت اليهود: لا يصلح الملك إلا في آل داود، وكذلك قالت الرافضة: لا تصلح الإمامة إلا في ولد علي.
وقالت اليهود: لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المسيح الدجال وينزل سيف من السماء، وكذلك الرافضة قالوا: لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج الرضا من آل محمد وينادي مناد من السماء اتبعوه.
وقالت اليهود: فرض الله علينا خمسين صلاة في كل يوم وليلة، وكذلك قالت الرافضة.
واليهود لا يصلون المغرب حتى تشتبك النجوم، وقد جاء عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: ((لا تزال أمتي على الإسلام مالم تؤخر المغرب إلى اشتباك النجوم)) (1) مضاهاة لليهود، وكذلك الرافضة، واليهود إذا صلوا زالوا عن القبلة شيئا، وكذلك الرافضة.
واليهود تنود في صلاتها، وكذلك الرافضة. واليهود يسدلون أثوابهم في الصلاة، وقد بلغني أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مر برجل سادل ثوبه فعطفه عليه، وكذلك الرافضة.
واليهود حرفوا التوراة، وكذلك الرافضة حرفوا القرآن. واليهود يسجدون في صلاة الفجر الكندرة، وكذلك الرافضة. واليهود لا يخلصون بالسلام إنما يقولون: سام عليكم. وهو الموت _ وكذلك الرافضة،
Page 17
واليهود عادوا جبريل فقالوا: هو عدونا. وكذلك الرافضة قالوا: أخطأ جبريل بالوحي. واليهود يستحلون أموال الناس، وقد نبأنا الله عنهم أنهم قالوا {قالوا ليس علينا في الأميين سبيل} ، وكذلك الرافضة يستحلون مال كل مسلم.
واليهود ليس لنسائهم صداق وإنما يتمتعون متعة، وكذلك الرافضة يستحلون المتعة، واليهود يستحلون دم كل مسلم، وكذلك الرافضة.
واليهود يرون غش الناس، وكذلك الرافضة. واليهود لا يعدون الطلاق شيئا إلا عند كل حيضة، وكذلك الرافضة.
واليهود لا يرون العزل عن السراري، وكذلك الرافضة. واليهود يحرمون الجري والمرماهى، وكذلك الرافضة.
واليهود حرموا الأرنب والطحال، وكذلك الرافضة. واليهود لا يرون المسح على الخفين، وكذلك الرافضة. واليهود لا يلحدون، وكذلك الرافضة. وقد ألحد لنبينا صلى الله تعالى عليه وسلم. واليهود يدخلون مع موتاهم في الكفن سعفة رطبة، وكذلك الرافضة.
ثم قال يا مالك: وفضلهم اليهود والنصارى بخصلة، قيل لليهود: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى، وقيل للنصارى من خير أهل ملتكم؟ قالوا: حواري عيسى، وقيل للرافضة من شر أهل ملتكم؟ قالوا: حواري محمد _ يعنون بذلك طلحة والزبير _ أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم، والسيف مسلول عليهم إلى يوم القيامة، ودعوتهم مدحوضة، ورايتهم مهزومة، وأمرهم متشتت، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله، ويسعون في الأرض فسادا، والله لا يحب المفسدين.
وقد روى أبو القاسم الطبري (1) في شرح أصول السنة نحو هذا الكلام من حديث وهب بن بقية الواسطي، عن محمد بن حجر الباهلي، عن عبد الرحمن بن مالك بن مغول من وجوه متعددة يصدق بعضها بعضا، وبعضها يزيد على بعض، لكن عبد الرحمن بن مالك بن مغول ضعيف، وذم الشعبي لهم ثابت من طرق أخرى، لكن لفظ الرافضة إنما ظهر لما
Page 18
رفضوا زيد بن علي بن الحسين، في خلافة هشام، وقصة زيد بن علي بن الحسين، كانت بعد العشرين ومائة سنة إحدى وعشرين، أو اثنتين وعشرين ومائة في آخر خلافة هشام. قال أبو حاتم البستي: قتل زيد بن علي بن الحسين بالكوفة سنة اثنتين وعشرين، فصلب على خشبة، وكان من أفاضل أهل البيت وعلمائهم، وكانت الشيعة تنتحله.
متى سموا رافضة وكذا الزيدية
(قلت) : ومن زمن خروج زيد افترقت الشيعة إلى رافضة وزيدية، فإنه لما سئل عن أبي بكر وعمر. فترحم عليهما، رفضه قوم فقال لهم: رفضتموني، فسموا رافضة، لرفضهم إياه، وسمي من لم يرفضه من الشيعة زيديا، لانتسابهم إليه، ولما صلب كانت العباد تأتي إلى خشبته بالليل، فيتعبدون عندها.
والشعبي توفي في أوائل خلافة هشام، أواخر خلافة يزيد بن عبد الملك أخيه، سنة خمس ومائة، أو قريبا من ذلك. فلم يكن لفظ الرافضة معروفا إذ ذاك.
وبهذا وغيره يعرف كذب لفظ الأحاديث المرفوعة التي فيها لفظ الرافضة، ولكن كانوا يسمون بغير ذلك الاسم، كما يسمون بالخشبية لقولهم إنا لا نقاتل بالسيف إلا مع إمام معصوم، فقاتلوا بالخشب.
ولهذا جاء في بعض الروايات عن الشعبي: ما رأيت أحمق من الخشبية، فيكون المعبر عنهم بلفظ الرافضة ذكره بالمعنى، مع ضعف عبد الرحمن، ومع أن الظاهر أن هذا الكلام، إنما هو نظم عبد الرحمن بن مالك بن مغول وتأليفه، وقد سمع منه طرفا عن الشعبي، وسواء كان هو ألفه ونظمه لما رآه من أمور الشيعة في زمانه، ولما سمع عنهم، أو لما سمع من أقوال أهل العلم فيهم، أو بعضه أو مجموع الأمرين، أو بعضه لهذا وبعضه لهذا، فهذا الكلام معروف بالدليل الذي لا يحتاج فيه إلى نقل وإسناد، وقول القائل: إن الرافضة تفعل كذا، المراد به بعض الرافضة، كقوله تعالى: {وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله} (1) {وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم} (2) .
Page 19
لم يقل ذلك كل يهودي، بل فيهم من قال ذلك. وما ذكره موجود في الرافضة.
وفيهم أضعاف ما ذكره، مثل تحريم بعضهم للحم الإوز، والجمل، مشابهة لليهود.
ومثل جمعهم بين الصلاتين دائما، فلا يصلون إلا في ثلاثة أوقات، مشابهة لليهود.
ومثل قولهم إنه لا يقع الطلاق إلا بالإشهاد على الزوج مشابهة لليهود، ومثل تنجيسهم لأبدان غيرهم من المسلمين وأهل الكتاب وتحريمهم لذبائحهم، وتنجيسهم ما يصيب ذلك من المياه والمائعات، وغسل الآنية التي يأكل منها غيرهم، مشابهة للسامرة الذين هم شر اليهود، ولهذا تجعلهم الناس في المسلمين كالسامرة في اليهود.
ومثل استعمالهم التقية، وإظهار خلاف ما يبطنون من العداوة، مشابهة لليهود ونظائر ذلك كثير.
ذكر بعض حماقات الرافضة
وأما سائر حماقاتهم فكثيرة جدا، مثل كون بعضهم لا يشرب من نهر حفره يزيد، مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - والذين كانوا معه كانوا يشربون من آبار وأنهار حفرها الكفار.
وبعضهم لا يأكل من التوت الشامي، ومعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن معه كانوا يأكلون مما يجلب من بلاد الكفار، من الجبن، ويلبسون ما تنسجه الكفار، بل غالب ثيلبهم كانت من نسيج الكفار.
ومثل كونهم يكرهون التكلم بلفظ العشرة ، أو فعل أي شيء يكون عشرة، حتى في البناء لا يبنون على عشرة أعمدة، ولا بعشرة جذوع ونحو ذلك، لكونهم يبغضون خيار الصحابة _ وهم العشرة _ المشهود لهم بالجنة، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح رضوان الله عليهم أجمعين، يبغضون هؤلاء إلا علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، ويبغضون السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، الذين بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، تحت الشجرة، وكانوا ألفا وأربعمائة.
وقد أخبر الله أنه قد رضي عنهم. وثبت في صحيح مسلم وغيره، عن جابر أيضا. أن غلام حاطب بن أبي بلتعة قال:
Page 20
يا رسول الله والله ليدخلن حاطب النار، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((كذبت، إنه شهد بدرا والحديبية)) (1) .
وهم يتبرؤون من جمهور هؤلاء. بل يتبرؤون من سائر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إلا نفرا قليلا نحو بضعة عشر، ومعلوم أنه لو فرض في العالم عشرة من أكفر الناس، لم يجب هجر هذا الاسم لذلك، كما أنه سبحانه وتعالى لما قال: {وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون} (2) .
لم يجب هجر اسم التسعة مطلقا، بل اسم العشرة قد مدح الله مسماه في مواضع، كقوله تعالى في متعة الحج: {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة} (3) .
وقال تعالى: {وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة} (4) .
وقال تعالى: {والفجر وليال عشر} .
وقد ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان حتى توفاه الله تعالى (5) .
وقال في ليلة القدر التمسوها في العشر الأواخر (6) .
وقد ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر)) (7) نظائر ذلك متعددة.
ومن العجيب أنهم يوالون لفظ التسعة، وهم يبغضون التسعة من العشرة فإنهم يبغضونهم إلا عليا، وكذلك هجرهم لاسم أبي بكر وعمر وعثمان ولمن يتسمى بذلك، حتى يكرهون معاملته، ومعلوم أن هؤلاء لو كانوا من أكفر الناس، لم يشرع أن لا يتسمى الرجل بمثل أسمائهم، فقد كان في الصحابة من اسمه الوليد.
Page 21
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقنت في الصلاة، ويقول اللهم أنج الوليد بن الوليد بن المغيرة (1) وأبوه وكان من أعظم الناس كفرا، وهو الوحيد المذكور في قوله تعالى: {ذرني ومن خلقت وحيدا} (2) وفي الصحابة من اسمه عمرو، وفي المشركين من اسمه عمرو بن عبدود، وأبو جهل اسمه عمرو بن هشام.
وفي الصحابة خالد بن سعيد بن العاص من السابقين الأولين، وفي المشركين خالد بن سفيان الهذلي.
وفي الصحابة من اسمه هشام مثل هشام بن حكيم، وأبو جهل كان اسم أبيه هشاما. وفي الصحابة من اسمه عقبة مثل أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري، وعقبة بن عامر الجهني، وكان في المشركين عقبة بن أبي معيط.
وفي الصحابة علي وعثمان، وكان في المشركين من اسمه علي مثل علي بن أمية بن خلف، قتل يوم بدر كافرا، ومثل عثمان بن طلحة قتل قبل أن يسلم، ومثل هذا كثير.
فلم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنون يكرهون اسما من الأسماء لكونه قد تسمى به كافر من الكفار، فلو قدر أن المسلمين بهذه الأسماء كفار، لم يوجب ذلك كراهة هذه الأسماء مع العلم لكل أحد بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدعوهم بها، ويقر الناس على دعائهم بها.
وكثير منهم يزعم أنهم كانوا منافقين، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم أنهم منافقون، وهو مع هذا يدعوهم بها، وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قد سمى بها أولاده فعلم أن جواز الدعاء بهذه الأسماء سواء كان ذلك المسمى بها مسلما أو كافرا أمر معلوم من دين الإسلام، فمن كره أن يدعو أحدا بها كان من أظهر الناس مخالفة لدين الإسلام، ثم مع هذا إذا تسمى الرجل عندهم باسم علي، أو جعفر أو حسن أو حسين أو نحو ذلك، عاملوه وأكرموه، ولا دليل لهم في ذلك على أنه منهم.
ومن حماقاتهم أيضا أنهم يجعلون للمنتظر عدة مشاهد ينتظرونه فيها، كالسرداب الذي بسامرا الذي يزعمون أنه غائب فيه.
ومشاهد أخرى وقد يقيمون هناك دابة إما بغلة وإما فرسا، وإما غير ذلك ليركبها إذا خرج، ويقيمون هناك إما في طرفي النهار وإما في
Page 22
أوقات أخرى من ينادي عليه بالخروج يا مولانا اخرج، ويشهرون السلاح ولا أحد هناك يقاتلهم، وفيهم من يقوم في أوقات دائما لا يصلي، خشية أن يخرج وهو في الصلاة فيشتغل بها عن خروجه، وخدمته، وهم في أماكن بعيدة عن مشهده كمدينة النبي - صلى الله عليه وسلم - إما في العشر الأواخر من شهر رمضان.
وإما في غير ذلك يتوجهون إلى المشرق، وينادون بأصوات عالية يطلبون خروجه، ومن المعلوم أنه لو كان موجودا وقد أمره الله بالخروج فإنه يخرج، سواء نادوه أو لم ينادوه، وإن لم يؤذن له فهو لا يقبل منهم، وأنه إذا خرج فإن الله يؤيده ويأتيه بما يركبه، وبمن يعينه وينصره، لا يحتاج أن
يوقف له دائما من الآدميين من ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، والله سبحانه وتعالى قد عاب في كتابه من يدعو من لا يستجيب دعاءه فقال تعالى: {ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعآءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير} (1) هذا مع أن الأصنام موجودة، وكان يكون بها أحيانا شياطين تتراءى لهم وتخاطبهم.
ومن خاطب معدوما كانت حالته أسوأ من حال من خاطب موجودا، وإن كان جمادا، فمن دعا المنتظر الذي لم يخلقه الله، كان ضلاله أعظم من ضلال هؤلاء، وإذا قال أنا أعتقد وجوده كان بمنزلة قول أولئك نحن نعتقد أن هذه الأصنام لها شفاعة عند الله فيعبدون من دون الله ما لاينفعهم ولا يضرهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله.
والمقصود أن كليهما يدعو من لا ينفع دعاؤه، وإن كان أولئك اتخذوهم شفعاء آلهة، وهؤلاء يقولون هو إمام معصوم فهم يوالون عليه. ويعادون عليه كموالاة المشركين على آلهتهم، ويجعلونه ركنا في الإيمان لا يتم الدين إلا به، كما يجعل بعض المشركين آلهتهم كذلك وقال تعالى: {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون. ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون} (2) .
Page 23
فإذا كان من يتخذ الملائكة والنبيين أربابا بهذه الحال، فكيف بمن يتخذ إماما معدوما لا وجود له؟ وقد قال تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم ومآ أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} (1) وقد ثبت في الترمذي وغيره من حديث عدي بن حاتم أنه قال: ((يا رسول الله ما عبدوهم. فقال: إنهم أحلوا لهم
الحرام وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم، فكانت تلك عبادتهم إياهم)) (2) فهؤلاء اتخذوا أناسا موجودين، أربابا.
وهؤلاء يجعلون الحرام والحلال معلقا بالإمام المعدوم، الذي لا حقيقة له، ثم يعملون بكل ما يقول المثبتون إنه يحلله ويحرمه، وإن خالف الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، حتى إن طائفتهم إذا اختلفت على قولين فالقول الذي لا يعرفه قائله هو الحق، لأنه قول هذا الإمام المعصوم، فيجعلون الحلال ما حلله والحرام ما حرمه هذا الذي لا يوجد. وعند من يقول إنه موجود لا يعرفه أحد، ولا يمكن أحدا أن ينقل عنه كلمة واحدة.
ومن حماقاتهم تمثيلهم لمن يبغضونه مثل اتخاذهم نعجة وقد تكون نعجة حمراء، لكون عائشة تسمى الحميرا يجعلونها عائشة ويعذبونها بنتف شعرها، وغير ذلك، ويرون أن ذلك عقوبة لعائشة ومثل اتخاذهم حلسا مملوءا سمنا يشقون بطنه فيخرج السمن فيشربونه، ويقولون هذا مثل ضرب عمر وشرب دمه.
ومثل تسمية بعضهم لحمارين من حمر الرحا أحدهما بأبي بكر، والآخر بعمر ثم عقوبة الحمارين جعلا منهم تلك العقوبة عقوبة لأبي بكر وعمر، وتارة يكتبون أسماءهم على أسفل أرجلهم حتى أن بعض الولاة جعل يضرب رجلي من فعل ذلك ويقول إنما ضربت أبا بكر وعمر، ولا أزال أضربهما حتى أعدمهما.
ومنهم من يسمي كلابه باسم أبي بكر وعمر، ويلعنهما ومنهم من إذا سمى كلبه فقيل له بكير يضارب من يفعل ذلك، ويقول تسمى كلبي باسم أصحاب النار.
ومنهم من يعظم أبا لؤلؤة المجوسي الكافر الذي كان غلاما للمغيرة بن شعبة، لما قتل
Page 24
عمر، ويقولون: واثارات أبي لؤلؤة فيعظمون كافرا مجوسيا باتفاق المسلمين لكونه قتل عمر - رضي الله عنه -.
ومن حماقاتهم إظهارهم لما يجعلونه مشهدا، فكم كذبوا الناس، وادعوا أن في هذا المكان ميتا من أهل البيت، وربما جعلوه مقتولا، فيبنون ذلك مشهدا، وقد يكون ذلك كافرا أو قبر بعض الناس، ويظهر ذلك بعلامات كثيرة.
ومعلوم أن عقوبة الدواب المسماة بذلك ونحو هذا الفعل لا يكون إلا من فعل أحمق الناس وأجهلهم، فإنه من المعلوم أنا لو أردنا أن نعاقب فرعون وأبا لهب وأبا جهل وغيرهم ممن ثبت بإجماع المسلمين أنهم من أكفر الناس مثل هذه العقوبة لكان هذا من أعظم الجهل، لأن ذلك لا فائدة فيه بل إذا قتل كافر، يجوز قتله أو مات حتف أنفه، لم يجز بعد قتله أو موته أن يمثل به فلا يشق بطنه أو يجدع أنفه وأذنه ولا تقطع يده إلا أن يكون ذلك على سبيل المقابلة.
فقد ثبت في صحيح مسلم وغيره، عن بريدة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه كان إذا بعث أميرا على جيش أو سرية، أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله، وأوصاه بمن معه من المسلمين خيرا وقال: ((اغزو في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، لا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا، وليدا)) (1) وفي السنن أنه كان في خطبته يأمر بالصدقة، وينهى عن المثلة (2) .
مع أن التمثيل بالكافر بعد موته فيه نكاية بالعدو، ولكن نهى عنه لأنه زيادة إيذاء بلا حاجة، فإن المقصود كف شره بقتله، وقد حصل. فهؤلاء الذين بيغضونهم لو كانوا كفارا وقد ماتوا لم يكن لهم بعد موتهم أن يمثلوا بأبدانهم، لا يضربونهم، ولا يشقون بطونهم ولا ينتفون شعورهم، مع أن في ذلك نكاية فيهم. أما إذا فعلوا ذلك بغيرهم ظنا أن ذلك يصل إليهم كان غاية الجهل، فكيف إذا كان بمحرم كالشاة التي يحرم إيذاؤها بغير حق، فيفعلون ما لا يحصل لهم به منفعة أصلا بل ضرر في الدين والدنيا، والآخرة، مع تضمنه غاية الحمق والجهل.
Page 25