Mukhtasar Kitab Al-I'tisam
مختصر كتاب الاعتصام
Publisher
دار الهجرة للنشر والتوزيع
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤١٨ هـ - ١٩٩٧ م
Genres
تَقْدِيرِ مُدَّةِ اللَّبث وَلَا تَقْدِيرِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَلَا سَبَبَ لِذَلِكَ إِلَّا أنَّ الْمُشَاحَّةَ فِي مِثْلِهِ قَبِيحَةٌ فِي الْعَادَةِ، فَاسْتَحْسَنَ النَّاسُ تَرْكَهُ، مَعَ أنَّا نَقْطَعُ أنَّ الْإِجَارَةَ الْمَجْهُولَةَ، أَوْ مُدَّةَ الِاسْتِئْجَارِ أَوْ مِقْدَارَ الْمُشْتَرَى إِذَا جُهِلَ فإنَّه مَمْنُوعٌ، وَقَدِ اسْتُحْسِنْتَ إِجَارَتُهُ مَعَ مُخَالَفَةِ الدَّلِيلِ، فَأَوْلَى أَنْ يُجَوَّزَ إِذَا لَمْ يُخَالِفْ دَلِيلًا.
فَأَنْتَ تَرَى أنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ مَزَلَّةُ قَدَمٍ أَيْضًا لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْتَدِعَ، فَلَهُ أَنْ يَقُولَ: إنْ استحسنتُ كَذَا وَكَذَا فَغَيْرِي مِنَ الْعُلَمَاءِ قَدِ اسْتَحْسَنَ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ فَضْلِ اعْتِنَاءٍ بِهَذَا الْفَصْلِ، حَتَّى لَا يَغْتَرَّ بِهِ جاهلٌ أَوْ زاعمٌ أنَّه عَالَمٌ، وباللهِ التَّوْفِيقُ، فَنَقُولُ:
إنَّ الِاسْتِحْسَانَ يَرَاهُ مُعتبرًا فِي الْأَحْكَامِ مالكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ، بِخِلَافِ الشَّافِعِيِّ فإنَّه مُنْكِرٌ لَهُ جِدًّا حَتَّى قال: «من استحسن فقد شَرَّع» والذي يستقرىء مِنْ مَذْهَبِهِمَا أنَّه يَرْجِعُ إِلَى الْعَمَلِ بِأَقْوَى الدليلين، وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: إنَّه الْقِيَاسُ الَّذِي يَجِبُ العمل به بَلْ قَدْ جَاءَ عَنْ مَالِكٍ أنَّ الِاسْتِحْسَانَ تسعة أعشار العلم.
وَهَذَا الْكَلَامُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بِالْمَعْنَى الَّذِي تقدَّم قَبْلُ، وأنَّه مَا يَسْتَحْسِنُهُ الْمُجْتَهِدُ بِعَقْلِهِ، أَوْ أنَّه دَلِيلٌ يَنْقَدِحُ فِي نَفْسِ الْمُجْتَهِدِ تَعْسُرُ عِبَارَتُهُ عَنْهُ، فإنَّ مِثْلَ هَذَا لا يكون تسعة أعشار العلم.
وَإِذَا كَانَ هَذَا مَعْنَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ فَلَيْسَ بِخَارِجٍ عَنِ الْأَدِلَّةِ البتَّة: لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ يقيِّد بَعْضُهَا وَيُخَصِّصُ بَعْضُهَا بَعْضًا، كَمَا فِي الْأَدِلَّةِ السُّنية مَعَ الْقُرْآنِيَّةِ، وَلَا يَرُد الشَّافِعِيُّ مِثْلَ هَذَا أَصْلًا، فَلَا حُجَّةَ فِي تَسْمِيَتِهِ اسْتِحْسَانًا لِمُبْتَدَعٍ عَلَى حَالٍ. وَلَا بدَّ مِنَ الْإِتْيَانِ بِأَمْثِلَةٍ تُبَيِّنُ الْمَقْصُودَ بِحَوْلِ اللهِ.
(أَحَدُهَا): أَنْ يُعْدَل بِالْمَسْأَلَةِ عَنْ نَظَائِرِهَا بِدَلِيلِ الْكِتَابِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
1 / 107