Mukhtasar Kashf al-Ghummah ‘An Adillat al-Hijab fi al-Kitab wa al-Sunnah
مختصر كشف الغمة عن أدلة الحجاب في الكتاب والسنة
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٤٢ هـ - ٢٠٢١ م
Genres
مختصر كشف الغمة عن أدلة الحجاب في الكتاب والسنة بمناقشة رأي الشيخ الألباني وجلاء الحق للأمة
أمل محمد آل خميسة
1 / 1
مختصر كشف الغمة عن أدلة الحجاب في الكتاب والسنة بمناقشة رأي الشيخ الألباني وجلاء الحق للأمة / أمل محمد عبدالله آل خميسة
رقم الإيداع في مكتبة الملك فهد الوطنية ٢٩٣٠/ ١٤٤٢
تاريخ ٢١/ ٠٤/ ١٤٤٢ هـ
ردمك ٧ - ٦٣٧٩ - ٠٣ - ٦٠٣ - ٩٧٨
جميع الحقوق محفوظة للمؤلفة ولا يسمح بإعادة إصدار هذا الكتاب أو طباعته أو نقله في أي شكل أو واسطة سواءً أكانت إلكترونية أو ميكانيكية بما في ذلك التصوير بالنسخ الفوتوكوبي أو التسجيل أو التخزين والاسترجاع دون إذن خطي من المؤلفة
All Rights Reserved. No part of this book may be reproduced، stored in a retrieval system or transmitted in any form of by any means without prior permission in writing of the authors.
1 / 2
راجع الكتاب فضيلة الشيخ
سعد بن تركي الخثلان
عضو هيئة كبار العلماء
ورئيس مجلس إدارة الجمعية الفقهية السعودية
1 / 3
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 4
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فإن هذا مختصر لكتابي (كشف الغمة عن أدلة الحجاب في الكتاب والسنة بمناقشة رأي الشيخ الألباني وجلاء الحق للأمة) وقد راعيت فيه الاختصار مع الإبقاء للمسائل والفوائد والفرائد التي تم بسطها في الأصل في مناقشة البحوث التي حوت ما احتج به الشيخ الألباني- ﵀ في مسألة الحجاب في كتابيه (الرد المفحم) (^١) و(جلباب المرأة المسلمة) والتي أحدثت ضجة في المجتمعات الإسلامية بين مؤيد ومعارض، ولما كان للشيخ من مكانة علمية في الأمة الإسلامية كان ذلك داعيا إلى قبول رأيه من قبل البعض، وظهور حجته عند البعض الآخر لاستناده على بعض النصوص الصحيحة!! ولكن المتمحص في المسألة يجد أن هذه النصوص قد حُملت على غير محملها لأن هناك لَبس في المسألة وحقيقة غابت لغياب أحكامها وانقطاع أسبابها، وهي إنقطاع العبودية (ملك اليمين) فقد كان العبيد المملوكين الذين فرّق الشرع بينهم وبين الأحرار في بعض الأحكام الشرعية يمثلون جزء من المجتمع المسلم إلى أوائل القرن الماضي، ويعد وجوب الحجاب (تغطية الوجه) أحد الأحكام التي تختص بالحرية؛ فقد فرض الله
_________
(^١) كتاب الرد المفحم: هو جمع علي حسن عبدالحميد تلميذ الشيخ الألباني وترتيبة نشره بعد وفاة الشيخ الألباني وهو من سمّاه.
1 / 5
الحجاب (تغطية الوجه) على المرأة الحرة عن الرجل الحر، فلم يُفرض على المرأة الحرة أن تحتجب من العبد المملوك، ولم يُفرض على المرأة المملوكة أن تغطي وجهها، وكان هذا داعيا للخلاف بين الفقهاء المتقدمين في مسألتين: جواز نظر (الأجنبي) العبد المملوك للوجه والكفين من المرأة الحرة، ومالذي يجب عند خوف الفتنة؛ أن يغض الرجل بصره أم تغطي المرأة وجهها. كان هذا مدار اختلاف الفقهاء المتقدمين في هذه المسألة وهو الذي أحدث اللبس عند المتأخرين ومنهم الشيخ الألباني الذي بنى رأيه في هذه المسألة على هذا الخلاف! أما وجوب ستر المرأة الحرة لوجهها عن الرجال الأحرار الأجانب فلا خلاف فيه بين من تقدم من أهل العلم بل الإجماع على وجوبه باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة، فقد افترض الله تغطية الوجه على جميع النساء الحرائر بقوله تعالى ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ﴾
صح عن أم سلمة ﵂ أنها قالت (لما نزلت خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية) وفي رواية (من أكسية سود يلبسنها) (^١) وثبت عن ابن عباس ﵁ أنه قال في تأويلها (أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة) وصح عن عبيدة السلماني أنه لما سُئل عن تأويلها (تقنع بردائه فغطى أنفه وعينه اليسرى وأخرج عينه اليمنى وأدنى رداءه من فوق حتى جعله قريبا من حاجبه أو على الحاجب). وهذا ماجرى عليه عمل النساء المسلمات الحرائر منذ
_________
(^١) سنن أبي داود (٤١٠١) وصححه الألباني في صحيح أبي داود ٤/ ٦١.
1 / 6
زمن الرسالة، قال الحافظ ابن حجر في الفتح (٩/ ٣٢٤): "ولم تزل عادة النساء قديمًا وحديثًا يسترن وجوههن عن الأجانب" اهـ. وقد استمرت النساء المسلمات في مختلف العصور وفي جميع البلاد الإسلامية على ستر وجوههن عن الرجال الأجانب، إلى أن بدأ السفور في أوائل القرن الرابع عشر الهجري إثر الاستعمار الغربي، ففي أوائل القرن الثالث عشر الهجري (أواخر القرن الثامن عشر الميلادي ومطلع القرن التاسع عشر) فوجئت الممالك الإسلامية بطوفان من الاستعمار الغربي الذي أخذ يمتد من قطر إلى قطر، وما أن انتصف القرن التاسع عشر حتى أصبحت معظم الأمم المسلمة تحت سطوة المستعمر الغربي الأوربي، وفي هذه الفترة من الضعف والانهزامية أصبحت الأمم الإسلامية تحاكي أمم الغرب في الزي واللباس وسائر المظاهر الاجتماعية، وأصبح المنهزمون يستحيون من كل ما نظر إليه أعداء الإسلام بالتحقير والتعيير - ومن ذلك الحجاب والنقاب الذي نظر إليه الغرب بعين المقت والازدراء وصوره أقبح تصوير فيما كتب ونشر- ولو كان من الأمور الثابتة في الشرع، ومن هنا بدأت الدعوة إلى السفور ونزع الحجاب؛ حيث قام هؤلاء المنهزمون بحركة ما يسمى (تحرير المرأة) التي بدأوها في أوائل القرن الرابع عشر الهجري (أواخر القرن التاسع عشر الميلادي) لحمل المرأة المسلمة على اقتفاء آثار المرأة الأوربية واتباع المناهج الاجتماعية الرائجة بين أمم الغرب، ونشط دعاة السفور والانحلال في بث أفكارهم التي استقوها من البلاد الغربية الكافرة لمحاربة الحجاب ونزعه؛ فقام الملك "زوغو" في ألبانيا بنزع الحجاب عن وجوه المؤمنات وفرض السفور على نساء وطنه مسايرة للدول الأوروبية، وفي بلاد الأفغان قامت
1 / 7
"شاه خانم" ملكة الأفغان بخلع الحجاب بطلب من زوجها لتكون قدوة للأفغانيات، وفي بلاد المغرب بعد أن خرج الاستعمار الفرنسي ترك نخبة تكونت بفرنسا واستطاعت تلك النخبة المغتربة أن تؤكد أن تحرير المرأة المغربية هو نزعها للحجاب، وفي تركيا دعا إلى تحرير المرأة "أحمد فارس الشدياق" في صحيفته (الجوائب)،
وفي العراق اتفق "جميل الزهاوي" وصاحبه "الرصافي" على الهجوم على الدين والاستهزاء بتعاليمه فكانا أول داعيين إلى السفور فيها، وفي لبنان قامت المحاربة للحجاب والداعية إلى السفور "نظيرة زين الدين" صاحبة أول كتاب صدر في الشام وشرارة الإفساد الذي كان عنوانه (السفور والحجاب)، وفيمصر كانت الريادة في الدعوة إلى تحرير المرأة لـ " قاسم أمين" الذي رحل إلى فرنسا لإكمال تعليمه فانبهر بالحياة في أوروبا فخرج بكتابيه (تحرير المرأة) و(المرأة الجديدة)؛ فكانت أول امرأة مصرية أزالت الحجاب عن وجهها "هدى شعراوي" في القرن الماضي، وأول امرأة كشفت وجهها في بلاد الشام وكيلة مدرسة ثانوية، وبعد أن سرت تلك الأفكار الملوثة التي نشرها متزعموا الإفساد، كان من المؤسف أن صمت المصلحون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والمجتمع بأكمله أمام تلك الأفكار، ولم يواجهها بقوة وحزم، حتى تطورت وطبقت على أرض الواقع، فالأساس الذي بني عليه هذا الانفلات من النساء في البلاد العربية والإسلامية هو التقليد لنساء الغرب. (^١)
_________
(^١) انظر: عودة الحجاب لمحمد إسماعيل المقدم (١/ ١٥)، هل يكذب التاريخ لعبد الله الداوود، الطبعه الثالثة ١٤٢٩، توزيع مؤسسة الجريسي.
1 / 8
ولم يبق على جادة السلامة والاستقامة إلا بلاد الحرمين التي بقيت النساء فيها محافظة على الحشمة وستر الوجوه والبعد عن الاختلاط بالرجال، وفي الآونة الأخيرة نشط المستغربون التغريبيون المتبعون الشهوات بالسعي لأن تميل هذه البلاد ميلًا عظيمًا فتتبع النساء فيها غيرهن في الانحلال والتبرج والسفور، وواكب ذلك نشأة "مسألة الحجاب" والتشكيك في وجوب الحجاب وفرضيته على المرأة بسبب اللبس الذي نشأ عند بعض أهل العلم المتأخرين بسبب انقطاع العبودية (ملك اليمين) وغياب أحكامها، فنسأل الله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، وأن يرد نساء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها إلى التمسك بما افترض الله عليهن من الحجاب (تغطية الوجه) هو ولي ذلك والقادر عليه.
وبعد أن تبين السبب في نشأة " مسألة الحجاب " كان لزاما علينا بيان ما وقع فيه الشيخ الألباني من خطأ في هذه المسألة، وذلك من خلال مناقشة البحوث التي طُرحت في كتابه (الرد المفحم) وخلاصة ما ستجده في مناقشة البحوث:
* أولا: أن المراد بقوله تعالى ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ﴾ الأحزاب: ٥٩ هو أمر نساء المسلمين الحرائر بتغطية وجوههن؛ كما أجمع على ذلك أهل العلم من مفسرين ومحدثين وفقهاء لغويين. وأنه لاحجة لما ذكر الشيخ الألباني من نفي دلالة الإدناء لغة على تغطية الوجه؛ محتجا بالمعنى العام للإدناء عند أحد اللغويين؛ دون ما صرح به من هم
1 / 9
أئمة في اللغة بأن المراد بالإدناء في الآية تغطية الوجه، وما اتفق عليه المفسرون في أكثر من أربعين كتابا في التفسير على تفسير هذه الآية بتغطية الوجه.
* ثانيا: أن قول ابن عباس " تدني الجلباب إلى وجهها ولا تضرب به" لم يكن تفسير الآية إدناء الجلابيب كما ذكر الشيخ الألباني! بل لم يستشهد به مطلقا أي أحد من المفسرين في تفسير هذه الآية؛ وإنما كان لبيان كيفية تغطية وجه المرأة حال إحرامها للحج أو العمرة، فإن الثابت شرعا أنه يجب على المرأة المحرمة ستر وجهها عن الرجال الأجانب بسدل الجلباب من فوق رأسها على وجهها، وليس لها أن تشدّه على جبينها ثم ترفعه من أسفل وتعطفه على الأنف؛ فالمنهي عنه حال الإحرام هو الشد والإلصاق على الوجه بالنقاب واللثام لا تغطية الوجه.
* ثالثًا: أن مفاد آية الحجاب ﴿فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ الأحزاب: ٥٣ والتي فسرها أئمة التفسير؛ بـ (من وراء ستر بينكم وبينهن) يقتضي تغطية الوجه لأن المراد بها منع الرجال الأحرار من الدخول على النساء الحرائر والاختلاط بهن في البيوت ونحوها: وهذا ما جرى عليه عمل أزواج النبي ﷺ ونساء سلف هذه الأمة.
1 / 10
* رابعًا: أن الحجاب (تغطية الوجه) الذي تقتضيه آية الحجاب الأولى: ﴿فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ ... هو معنى الحجاب الذي تقتضيه آية الحجاب الثانية: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ﴾ لما ثبت في صحيح السنّة من تسمية كل من الآيتين بـ (آية الحجاب)
* خامسًا: الأصل الذي اعتمد عليه أهل العلم في بيان معنى آية إدناء الجلابيب؛ ما أُثر عن ابن عباس ﵁ في تفسيرها قال: (أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عينا واحدة) (^١) وهذا الأثر يعد من الآثار الثابتة التي اعتمد عليها جل أهل العلم في تفسير هذه الآية. فظاهر القرآن والسنة وآثار الصحابة والتابعين تؤيده؛ فلا وجه للطعن فيه فهو ثابت عمل به الأئمة واحتجوا به.
* سادسًا: من الشواهد التي تقوي حديث ابن عباس هذا وتعضده؛ ما أخرجه الطبري بإسناد صحيح عن محمد بن سيرين قال سألت عبيدة السلماني عن قوله ﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ﴾ (فتقنع بردائه فغطى أنفه وعينه اليسرى وأخرج عينه اليمنى وأدنى رداءه من فوق حتى جعله قريبا من حاجبه أو على الحاجب) (^٢) وهذا الأثر كذلك مما اعتمد عليه جل أهل التفسير في تفسير آية
_________
(^١) حسن إسناده أ. د. حكمت بن بشير بن ياسين في الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور (٣/ ٤٦٣).
(^٢) صحح إسناده أ. د. حكمت بن بشير بن ياسين في الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور (٣/ ٤٦٣).
1 / 11
إدناء الجلابيب، وعبيدة السلماني من كبار التابعين وفقهائهم ممن أخذ علمه عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود، ومخضرم ثقة ثبت.
* سابعًا: أن الاعتجار والتقنع والتلفع بالجلابيب تعني تغطية الوجه عند مجموع أهل العلم من لغويين وفقهاء ومحدثين ومفسرين وهي من صور إدناء الجلباب التي سارعت إليها النساء عند نزول آية إدناء الجلابيب.
* ثامنًا: هناك حُكمان شرعيان ذهل عنهما أكثر أهل العلم المتأخرين، وانطوت آثارها في التصانيف المتأخرة، ولم يشر إليها بعض المتقدمين لكونها معلومة عندهم بالضرورة:
الأول: أن الحجاب (تغطية الوجه) إنما هو فرض على النساء الحرائر دون الإماء (الجواري المملوكات) وهذا أحدث اللبس عند المتأخرين فيما ورد في بعض الأحاديث والآثار من كشف بعض النساء لوجوههن لكونهن من الإماء؛ فاستشهدوا بها على جواز الكشف للحرائر من النساء!!
الثاني: أن هناك فئات من الذكور الأجانب لم يفرض على النساء الحرائر الاحتجاب منهم، ولم ينههم الشرع من الدخول عليهن في البيوت ورؤيتهن دون حجاب، وهم: العبيد المملوكون، والتابعون غير أولي الإربة، ومن لم يبلغ الحلم من الأحرار، وهذا أحدث اللبس عند المتأخرين فيما ورد من إباحة نظر هؤلاء الأجانب للوجه والكفين من المرأة.
1 / 12
* تاسعًا: للمرأة الحرّة عورتان:
(١) عورة في النظر؛ وهي تختلف باختلاف الناظرين (^١)، وهم قسمان:
القسم الأول: من استثناهم الله في آية النور، وحدود ما تبديه المرأة لهم تنحصر في مواضع الزينة الباطنة.
والقسم الثاني: من لم يستثن في الآية كالمحارم من الرضاع والمصاهرة، والعبيد المملوكون للغير، والذين لم يبلغوا الحلم من الأحرار، وهؤلاء هم من وقع الخلاف بين الفقهاء في حكم نظرهم للمرأة، فمنهم من أطلق جواز نظره للوجه والكفين من المرأة، ومنهم من قيد الجواز بالحاجة وأمن الفتنة، ومنهم من منع من النظر لغير حاجة لأنه مظنة الفتنة.
كما حصل الخلاف في حكم النظر للإماء (المملوكات اللاتي لم يفرض عليهن الحجاب) فمنهم من أوجب عليهن تغطية الوجه لأنه مظنة الفتنة، ومنهم من لم يوجب عليهن ذلك ولكن قال هو في حقهن مستحب وعلى الرجل غض البصر.
_________
(^١) أما الرجال الأحرار الأجانب فهم ممنوعون من النظر إليها بفرض الحجاب دونهم فلا يصح إدراجهم في أحكام النظر.
1 / 13
هذا مدار الخلاف بين الفقهاء في مسألة النظر؛ وهو الذي بنى عليه الشيخ الألباني رأيه في مسألة تغطية الوجه كما سترى استشهاده بأقوالهم في البحوث القادمة.
(٢) وعورة في الصلاة؛ والمرأة كلها عورة في الصلاة إلا وجهها وكفيها - واختُلف في قدميها - وكون الوجه ليس بعورة في الصلاة؛ لا يعني جواز كشفه للرجال الأجانب، فليست العورة في الصلاة مرتبطة بعورة النظر لا طردا ولا عكسا.
* عاشرًا: أن جميع ما استشهد به الشيخ الألباني من الأحاديث والآثار؛ ليس فيها حجة على جواز كشف الوجه للنساء الحرائر؛ وذلك إما لكون تلك الآثار قبل نزول الحجاب، أو لكون النساء الكاشفات من الإماء المملوكات اللاتي لم يفرض عليهن الحجاب؛ كالجارية الخثعمية، وسبيعة الأسلمية وغيرهن، أو بمن كن يشاركن في الغزو مع رسول الله ﷺ لمداواة الجرحى وصنع الطعام من الإماء العجائز؛ كالرّبيع بنت معوّذ، وأم عطّية، وأم سليم.
* الحادي عشر: عن خالد بن دريك عن عائشة ﵂ أن رسول الله ﷺ قال: (إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى كفه ووجهه). (^١) والذي تحقق أن المراد بهذا الحديث بيان حدود ما يحل للمرأة إظهاره لمن يحل لهم الدخول عليها والنظر إليها دون حجاب من محارم، وعبيد مملوكين ونحوهم.
_________
(^١) أبو داود (٤١٠٤) وقال: هذا مرسل خالد بن دريك لم يدرك عائشة.
1 / 14
* الثاني عشر: أن المراد بقوله تعالى ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ هو ما يجوز للمرأة إظهاره لمن يحل لهم الدخول عليها والنظر إليها دون حجاب ممّن لم يستثن في الآية؛ وهم: العم والخال، والمحرم بالمصاهرة (زوج البنت، وزوج الأم، وابن الزوج، وأبو الزوج) (^١) والمحرم بالرضاع، والعبيد المملوكون للغير، والعبد المملوك إذا كان من أولي الإربة، والصبية المميزون الذين لم يبلغوا الحلم، والنساء غير المسلمات؛ فهؤلاء هم المعنيون بنهي المرأة الحرة عن إبداء زينتها لهم ﴿إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ وليس الرجال الأحرار الأجانب الذين يجب عليها الاحتجاب منهم.
* الثالث عشر: الثابت في السنة أن الأكسية التي سارعت إلى لبسها النساء عند الخروج امتثالا لآية إدناء الجلابيب هي الأكسية السود؛ كما صح عن أم سلمة ﵂ أنها قالت" لما نزلت هذه الآية ﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ﴾ خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من أكسية سود يلبسنها"فلا صحة لما استشهد به الشيخ الألباني من الآثار على جواز التجلبب بغير السواد؛ لأن ماورد في الآثار هو ماكانت تلبسه النساء من الأردية في البيوت أمام من أبيح لهم الدخول عليهن دون حجاب من العبيد المملوكين ونحوهم.
_________
(^١) كما سيأتي لاحقا أنهم ليسوا المعنيين بقوله (أو آباء بعولتهن. .. أو أبناء بعولتهن)
1 / 15
* وختامها: فإن ديننا دين السماحة والوسطية؛ فلم يمنع المرأة من كشف ما تحتاج إليه من عينيها لرؤية الطريق، ولم يأذن لها بكشف الوجه بأكمله لأنه مظنة الفتنة، وليس في تغطيته مشقة ولا تفويت مصالح لها، وليس فيه عائق دون القيام بواجباتها.
هذا مجمل ما ستجده في مناقشة البحوث التي احتج بها الشيخ الألباني في مسألة الحجاب، والتي تبين منها أن الشيخ الألباني قال قولا شذ فيه، وجانب الحق والصواب، وخالف الأدلة والبراهين، وخالف جماهير العلماء، ومع ذلك فإننا نقول بأن الشيخ معذور بل إن شاء الله مأجور؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (٦/ ٩٣): إن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة وهو من الإسلام وأهله بمكانة عليا، قد تكون منه الهفوة والزلة؛ هو فيها معذور بل مأجور، لا يجوز أن يتّبع فيها مع بقاء مكانته ومنزلته في قلوب المؤمنين.
وقد كان من حسنات ما كتبه الشيخ الألباني في مسألة الحجاب أنه أيقض همة النائمين وأشعل الحماس للبحث، فكان دافعا للغوص في بحور من العلم لم نكن من قبل ننهل من سواحلها، فرحمك الله يا شيخ؛ ركبنا بحر مذهبنا لنبحث فوجدنا بحور المذاهب الأربعة كلها قد تطلعت لآلئها للباحثين عن الحق الذي لم يقصر الأئمة الأُول في بيانه، ولكنه جمود كل جيل على جهد من قبله حتى اندثرت
بعض الحقائق بل وقُلب بعضها؛ إذ إن كل جيل لا ينقل ما يجده عن سابقه برمَّته؛ ولكنه يشرح ويفصِّل حسب فهمه لقول شيخه متأثرا بمتغيرات عصره، ثم يتناقل ذلك من بعدهم على أنه مُراد المصنف الأول وقول صاحب المذهب،
1 / 16
وهو قد يكون خلافه! ولو أن المرجع في مثل هذه المسائل الخلافية هو كتاب الله وما صح عن رسوله ﷺ وعرض ما في هذه المصنفات عليهما واطراح ما خالفهما؛ لما اندثر الحق، ولما ظهر الجهل ببعض المسائل حتى ساد بين الناس خلاف ما أراد الله وعُمل به على أنه مراد الله وشرعه. كما قال شيخ الإسلام «والمنقول عن السلف والعلماء يحتاج إلى معرفة بثبوت لفظه ومعرفة دلالته كما يحتاج إلى ذلك المنقول عن الله ورسوله».
فأسأل الله جل في علاه أن أكون قد وُفقت لهذا في كتابي ووافقت فيه الصواب، فجهدي جهد بشر مقصر، تجاسر وتعرض لما لا يطيق، وتطفل على مائدة الأفاضل، فلست أرى لنفسي منزلة تعد من منازلهم، ولا لذاتي منهل مورد يكون بين مناهلهم؛ وإني بالتقصير لمعترفة، ومن بحر الخطايا لمغترفة، ولكن ﴿مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ الأعراف: ١٦٤.
فإن تجدْ عيبًا فسُدَّ الخلَلَا ... جَلَّ مَنْ لا عيبَ فيهِ وعلا
وقد خصصت فيه اللون البنفسجي لما نقلته عن الشيخ الألباني من كتابيه "الرد المفحم"و"جلباب المرأة المسلمة"، واللون الأحمر للعناوين والنقاط المهمة، واللون الأخضر لموضع الشاهد من المنقولات التي خصصتها باللون الأسود، واللون الأزرق لتعليقاتي، وإذا توسطت تعليقاتي المنقولات جعلتها بين شرطتين - - وإن تلتها أشرت إلى انتهاء المنقول بـ (اهـ) وذلك حرصا على سهولة وسلامة فهم القارئ،
1 / 17
وفي تخريج الأحاديث اقتصرت على ذكر الصفحة ورقم الحديث دون ذكر الكتب والأبواب خشية الإطالة، كما أنني لم أضع فهرسًا للمراجع اكتفاءً بالهوامش، فأذكر محقق الكتاب -إن وجد- وطبعته والناشر في أول موضع يرد فيه، هذا فيما رجعت فيه إلى الكتاب مباشرة، وما عدا ذلك فمرجعه البرامج التالية:
(١) برنامج: مكتبة التفسير وعلوم القرآن، والمكتبة الألفية للسنة النبوية، ومكتبة الفقه وأصوله، الإصدار الرابع، مركز التراث للبرمجيات.
(٢) برنامج الجامع الكبير، الإصدار الخامس، مركز التراث للبرمجيات.
(٣) برنامج مكتبة الألباني، الإصدار الثاني.
(٤) برنامج المكتبة الشاملة، المكتب التعاوني بالروضة.
أسأل الله بمنّه وكرمه أن ينفع بكتابي هذا عامة المسلمين من حنفية ومالكية وشافعية وحنابلة، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبته الفقيرة إلى عفو ربها
أمل بنت محمد ٢٢/ ٣/١٤٤٢ هـ
1 / 18
ــ:: توطئة:: ــ
قال ابن عباس" يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول قال
رسول الله ﷺ وتقولون قال أبو بكر وعمر" (^١) فإذا كان هذا كلام ابن عباس لمن عارضه بأبي بكر وعمر وهما هما فما ظنك بقوله لمن يعارض سنن الرسول ﷺ بإمامه وصاحب مذهبه الذي ينتسب إليه؟ ويجعل قوله معيارًا على الكتاب والسنة فما وافقه قبله، وما خالفه رده أو تأوله.
وقال أحمد بن حنبل: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان والله تعالى يقول ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ النور: ٦٣ ومراد أحمد أن الفرض والحتم على المؤمن إذا بلغه كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وعلم معنى ذلك في أي شيء كان أن يعمل به ولو خالفه من خالفه.
قال الشافعي: أجمع العلماء على أن من استبانت له سنة رسول الله ﷺ لم يكن له أن يدعها لقول أحد.
_________
(^١) أخرجه الدارمي في سننه (٤٣١) بلفظ: قال ابن عباس" أما تخافون أن تُعذَّبوا أو يخسف بكم؛ أن تقولوا قال رسول الله وقال فلان" ورجاله ثقات غير أن سليمان التيمي أرسله عن ابن عباس.
1 / 19
سئل أبو حنيفة إذا قلت قولًا وكتاب الله يخالفه؟ قال: اتركوا قولي لكتاب الله، قيل: إذا كان قول الرسول يخالفه؟ قال: اتركوا قولي لخبر الرسول ﷺ، قيل: إذا كان قول الصحابة يخالفه؟ قال: اتركوا قولي لقول الصحابة.
وروي البيهقي في السنن عن الشافعي أنه قال: إذا قلت قولًا وكان عن النبي ﷺ خلاف قولي فما يصح من حديث رسول الله ﷺ أولى فلا تقلدوني.
وقال مالك: كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله ﷺ.
وكلام الأئمة مثل هذا كثير، لكن المقلِّدين خالفوا ذلك وجمدوا على ما وجدوه في الكتب المذهبية، سواء كان صوابًا أم خطأ مع أن كثيرا من هذه الأقوال المنسوبة إلى الأئمة ليست أقوالًا لهم منصوصًا عليها وإنما هي تفريعات ووجوه واحتمالات وقياس على أقوالهم. (^١)
_________
(^١) انظر: تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد للشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبدالوهاب/٤٨٢ - ٤٨٨.
1 / 20