[ أداب المفتي ]:
وَلْيَتَحَرَّ المُوَفَّقُ المُسْتَبْرِىءُ لِدِينِهِ القَوِيُّ فِي وَرَعِهِ وَيَقِينِهِ فِي فَتْوَاهُ، فَقَدْ وَرَدَ عَنِ المُخْتَارِ: ((أَجْرَؤُكُمْ عَلَى الفَتْوَى أَجْرَؤُكُمْ عَلَى النَّارِ))(١).
وَلْيَتَأَمَلْ أَحْوالِ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنَ الصَّحابَةِ والتّابِعِين، وَمَنْ بَعْدَهُم مِنْ عُلَمَاءِ الدّينِ، مِنْ تَحَرّيهِم فيَ الفَتْوَى مَعَ أَمْكَنِيّة إِقْدَامِهِم في العُلومِ، وقُوَّةِ اجْتِهادِهِم، ويُعْدِهِم عَن الأَهْوَاءِ، حتى رُوِيَ أَنَّ الإِمامَ مالِكاً رحمه الله تعالى أجابَ عَلَى أَرْبَعِ مَسائِلَ مِنْ أَرْبَعِينَ مَسْأَلَةً وَقَالَ في الباقِي: (وَاللَّهُ أَعْلَمُ).
وَأَنَّ الإِمامَ أَبَا حَنِيفةَ رحمه الله تعالى قالَ في ثمانٍ مَسائِلَ: (لا أَدْرِي).
وكان الإِمامُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلُ يُكْثِرِ مِنْ قول: (لا أَدْرِي).
وَسَأَلَ محمَّدُ بنُ الحَكَمِ(٢) الإِمامَ الشَّافِعِيَّ رضي الله تعالى عنه عَنِ المُتْعَةِ أَكانَ فيها طَلَاقٌ، أَوْ مِيراثٌ، أَو نَفَقَةٌ تَجِبُ، أَوْ شَهَادَة؟ فَقَالَ: (وَاللَّهِ ما نَدرِي)، مع أَنَّ هَؤُلاءِ مِنْ أَجَلِّ السَّلَفِ الصَّالِحِ.
وَقَالَ أَميرُ المُؤْمنين عَلِيُّ بِنُ أَبِي طَالِبٍ كرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: (وَأَبْرَدُها عَلَى كَبِدِي ثلاثاً)(٣)، قالُوا: وَما ذاكَ يَا أَميرَ المُؤمنين؟ قَالَ: أَنْ يُسْأَلَ الرَّجُلُ عمّا لم يَعْلَمْ، فَيَقُولُ: اللَّهُ أَعْلَم.
(١) الحديث أخرجه الدارمي في سننه ٥٧/١، في المقدّمة، باب الفُتيا وما فيه من الشِدَّة، الحديث (١٥٩) عن عبيد الله بن أبي جعفر مُرْسَلاً.
(٢) هو محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، تأتي ترجمته ص ١١٣.
(٣) أخرجه الدارمي في المصدر نفسه، الحديث (١٨٤).