وقال يذكر النعمان بن المنذر حين طلبه كسرى ليقتله ففر فأتى طيئًا، وكانت بنتُ أوس بن حارثة بن لأمٍ عند النعمان، فسألهم أن يدخلوه جبلهم ويؤووه، فأبوا ذلك خوفًا من كسرى. وكانت له في بني عبس يدٌ، لأن مروان بن زنباع كان أسرَ فأحسن إليه النعمان، وكلم فيه عمرو بن هند عمه، فأطلقه؛ وكساه النعمان وحمله؛ فكان بنو عبس يشكرون ذلك له. فلما هرب من كسرى ولم تدخله طيئ جبلها لقيه بنو رواحة بن ربيعة العبسيون، وقالوا: أقم فينا فإنا نمنعك مما نمنع منه أنفسنا، فقال: لا طاقة لكم بكسرى، فساروا معه، فأثنى عليهم خيرًا؛ ففي ذلك يقول زهير:
ألا ليتَ شعري هل يرى الناسُ ما أرى ... من الأمرِ أو يبدو لهم ما بدا ليا
بدا ليَ أنَّ الناسَ تفنَى نفوسهم ... وأموالهم، ولا أرى الدهرَ فانيا
وأني متى أهبط من الأرض تلعةً ... أجد أثرًا قبلي جديدًا وعافيا
التلعة: مسيل من مكانٍ مشرف إلى الوادي.
أراني إذا ما بتُ بتُ على هوى ... فثمَّ إذا أصبحت أصبحتُ غاديا
أي بت على أمرٍ أهواهُ وحاجةٍ أريدها.
إلى حفرةٍ أهوى إليها مقيمةٍ ... يحثُّ إليها سائقٌ من ورائيا
أراد بالسائق الأجل.
بدا لي أني عشتُ تسعين حجةً ... تباعًا وعشرًا عشتها وثمانيا
بدا لي أن الله حقٌ فزادني ... إلى الحق تقوى اللهِ ما قد بدا ليا
بدا لي أني لست مدرك ما مضى ... ولا سابقًا شيًا إذا كان جائيا
وما إنْ أرى نفسي تقيها كريمتي ... وما أن ْتقي نفسي كريمةَ ماليا
ألا لا أرى على الحوادثِ باقيًا ... ولا خالدًا إلا الجبالَ الرواسيا
2 / 11