القسم الأول
فيه اثنتا عشرة قصيدة للشعراء: لقيط بن يعمر، وقعنب بن أم صاحب، وأعشى باهلة، وحاتم الطائي، وبشامة بن الغدير، والنمر بن تولب، والشنفري، وكعب بن سعد الغنوي، والمتلمس، وطرفة.
بسم الله الرحمن الرحيم قصيدة لقيط بن يعمر قال لقيط بن يعمر الإيادي ينذر قومه غزو كسرى إياهم، وكان لقيط كاتبًا في ديوان كسرى؛ فلما رآه مجمعًا على غزو إياد كتب إليهم بهذا الشعر؛ فوق الكتاب بيد كسرى، فقطع لسان لقيط، وغزا إيادًا: يا دارَ عمرةَ منْ محتلِّهَا الجرعَا ... هاجَتْ لي الهمَّ والأحزانَ والوجعَا الجرَع، والأجْرَع، والجرعاءُ: الرملة لا تنبت. تامتْ فؤادي بذاتِ الجزعِ خرْعَبَةٌ ... مرت تريدُ بذاتِ العذبةِ البيعَا تامتْ تيمتْ؛ أي عبدتْ وذللتْ. ومنه تيم الله، كأنه عبد الله. الجزع: منعطف الوادي. والخرعبة: الشابة الحسنة القوام. بمقلتي خاذلٍ أدماَء طاعَ لها ... نبتُ الرياضِ تزجى وسطهُ ذرعَا الذرع: ولد البقرة الوحشية. وواضح أشنبِ الأنيابِ ذي أشرٍ ... كالأقحوانِ إذا ما نوره لمعا الشنب: دقة في الأسنان. والأشر: حسن الأسنان وحدة أطرافها. جرت لما بيننَا حبلَ الشموسِ فلا ... يأسًا مبينًا أرى منها ولا طمعَا الشموس من الدوابّ: الذي لا يكادُ يستقر. شمس يشمس شموسا. فما أزالُ على شحطٍ يؤرقني ... طيفٌ تعمد رحلي حيثما وضعا
بسم الله الرحمن الرحيم قصيدة لقيط بن يعمر قال لقيط بن يعمر الإيادي ينذر قومه غزو كسرى إياهم، وكان لقيط كاتبًا في ديوان كسرى؛ فلما رآه مجمعًا على غزو إياد كتب إليهم بهذا الشعر؛ فوق الكتاب بيد كسرى، فقطع لسان لقيط، وغزا إيادًا: يا دارَ عمرةَ منْ محتلِّهَا الجرعَا ... هاجَتْ لي الهمَّ والأحزانَ والوجعَا الجرَع، والأجْرَع، والجرعاءُ: الرملة لا تنبت. تامتْ فؤادي بذاتِ الجزعِ خرْعَبَةٌ ... مرت تريدُ بذاتِ العذبةِ البيعَا تامتْ تيمتْ؛ أي عبدتْ وذللتْ. ومنه تيم الله، كأنه عبد الله. الجزع: منعطف الوادي. والخرعبة: الشابة الحسنة القوام. بمقلتي خاذلٍ أدماَء طاعَ لها ... نبتُ الرياضِ تزجى وسطهُ ذرعَا الذرع: ولد البقرة الوحشية. وواضح أشنبِ الأنيابِ ذي أشرٍ ... كالأقحوانِ إذا ما نوره لمعا الشنب: دقة في الأسنان. والأشر: حسن الأسنان وحدة أطرافها. جرت لما بيننَا حبلَ الشموسِ فلا ... يأسًا مبينًا أرى منها ولا طمعَا الشموس من الدوابّ: الذي لا يكادُ يستقر. شمس يشمس شموسا. فما أزالُ على شحطٍ يؤرقني ... طيفٌ تعمد رحلي حيثما وضعا
1 / 1
إني بعينيَ إذْ أمتْ حمولهمُ ... بطنَ السلوطحِ لا ينظرنَ منْ تبعَا
طورًا أراهم وطورًا لا أبينهم ... إذا تواضعَ خدرٌ ساعةً لمعَا
بل أيها الراكب المزجي مطيتهُ ... إلى الجزيرة مرتادًا ومنتجعا
الارتياد والنجعة: طلب الكلإ. وانتجعت فلانًا: طلبت خيره
أبلغْ إيادًا وخلل في سراتهم ... أنى أرى الرأي إن لم أعصَ قد نصعَا
نصع: وضح.
يا لهفَ نفسي إنْ كانتْ أموركمُ ... شتى وأحكمَ أمرُ الناسِ فاجتمعا
إني أراكم وأرضًا تعجبونَ بها ... مثلَ السفينةِ تغشَى الوعثَ والطبعَا
الوعث: أرض مسترخية رطبة. والطَّبع: الصدأ يكثر على السيف. والطبع: تدنس العرضِ وتلطخه. واستعاره. والطبع: الدنس.
ألا تخافونَ قومًا لا أبا لكمُ ... أمسوْا إليكم كأمثالِ الدبَى سرعَا
أبناءُ قومٍ تآووكُم على حنقٍ ... لا يشعرونَ أضرَّ اللهُ أمْ نفعا
ويروى: تأيوكم.
أحرارُ فارسَ أبناءُ الملوكِ لهم ... من الجموعِ جموعٌ تزدهي القلعا
القلع: السحاب العظيم. ازدهيت فلانًا: تهاونت به.
فهم سراعٌ إليكم، بينَ ملتقطٍ ... شوكًا، وآخر يجني الصابَ والسلعَا
الصاب والسلع: شجرانِ مرانِ. كنَى بذلك عن السلاح.
لو أن جمعهم راموا بهدته ... شمَّ الشماريخِ منْ ثهلانَ لانْصدعَا
الشماريخ والشناخيب: رءوس الجبال.
في كل يومٍ يسنونَ الحرابَ لكمْ ... لا يهجعونَ إذا ما غافلٌ هجعا
1 / 2
خزرٌ عيونهم كأنَّ لحظهمُ ... حريقُ غابٍ ترى منه السنَا قطعَا
السنا: الضوء. تخازر: قبض جفنه ليحددَ النظر.
لا الحرثُ يشغلهم بل لا يرونَ لهمْ ... منْ دون بيضتكم ريًا ولا شبعا
البيضة هاهنا كناية عن عقر الدار محلة القوم.
وأنتم تحرثونَ الأرضَ عنْ سفهٍ ... في كل معتملٍ تبغونَ مُزدرعَا
وتلقحون حيالَ الشولِ آوِنةً ... وتنتجونَ بدارِ القلعةِ الربعَا
حالت الناقة تحولُ حيالًا: إذا لم تحمل؛ فهي حائل. والجمع حيال. فأما قولهم: لا أفعل ذلك ما أرزمتْ أمُّ حائل. فإن الناقة إذا ولدت ووقع على الولد اسم التذكير والتأنيث؛ فإن الذكر سقب والأنثى حائل.
هذا منزل قلعةٍ: إذا لم يكن مستوطنًا؛ والقوم على قلعةٍ: أي رحلة.
وتلبسون ثيابَ الأمنِ ضاحيةً ... لا تفزعونَ وهذا الليثُ قد جمعا
وقد أظلكمْ منْ شطرِ ثغرِكم ... هولٌ له ظلمٌ تغشاكمُ قطعَا
مالي أراكمْ نيامًا في بلهنيةٍ ... وقد ترونَ شهابَ الحربِ قد سطعا
البلهنية: العيش اللين.
فاشفوا غليلي برأيٍ منكمُ حصدٍ ... يصبحْ فؤادي له ريانَ قد نقعا
حصدٍ: محكم؛ من قولهم: درع حصداء: محكمة.
والنقع: ذهاب العطش.
ولا تكونوا كمنْ قد بات مُكتنعًا ... إذا يقالُ له افرجْ غمةً كنعَا
مكتنع مجتمع. اكتنع القوم: اجتمعوا. وكنعت العقابُ جناحها للانقضاض. والكنع: تشنج الأصابع وتقبضها.
يسعى ويحسبُ أنَّ المالَ مخلدهُ ... إذا استفاد طريفًا زادهُ طمعا
فاقنوا جيادَكمُ واحملوا ذِماركمُ ... واستشعروا الصبرَ لا تستشعرُوا الجزعَا
الذمار: ما لزمك حفظه.
1 / 3
ولا يدعْ بعضكم بعضًا لنائبةٍ ... كما تركتم بأعلى بيشةَ النخعَا
صونوا جيادَكمُ واجلوا سيوفكمُ ... وجددوا للقسيِّ النبلَ والشرعَا
الشرع: الأوتار، الواحدة شرعة.
أذكوا العيونَ وراَء السرح واحترسوا ... حتى ترى الخيلُ من تعدائها رجعا
رجعا: ترجع أيديها في السير.
واشروا تلادكمُ في حرز أنفسكم ... وحرزِ أهليكم لا تهلكوا هلعَا
فإنْ غلبتُم على ضنٍّ بدراكمُ ... فقد لقيتم بأمرِ الحازم الفزعَا
لا تلهكُم إبلٌ ليستْ لكمْ إبلٌ ... إنَّ العدوَّ بعظمٍ منكمُ قرعا
لا تثمروا المالَ للأعداءِ إنهمُ ... إنْ يظهروا يحتووكم والتلادَ معا
هيهاتَ لا مالَ من زرع ولا إبلٍ ... يرجى لغابركم إنْ أنفكم جدعا
واللهِ ما انفكتِ الأموالُ مذْ أبدٍ ... لأهلها إنْ أصيبوا مرةً تبعَا
يا قوم، إنَّ لكمْ من إرثِ أولكم ... مجدًا قد أشفقتُ أنْ يفنى وينقطعا
ماذا يردُّ عليكم عزّ أولكم ... إنْ ضاعَ آخرهُ أوْ ذلّ واتضعَا
يا قومِ، لا تأمنوا، إنْ كنتمُ غيرًا ... على نسائكمُ كسرى وما جمعَا
1 / 4
يا قومِ بيضتكمْ لا تفجعنَّ بها ... إني أخافُ عليها الأزْلمَ الجذعَا
الجذَع من الإبل: الذي أتى له خمس. ومن الشاءِ: ما تممت له سنة. ويقال للمهر في السنة الثانية جذع. ويقال للدهر: الأزلم الجذع؛ لأنه جديدٌ أبدًا. وقوله: ألقى على يديه الأزلم الجذع. يقال: أراد الدهرَ، ويقال: أراد الأسد.
هو الجلاءُ الذي يجتثُّ أصلكمُ ... فمنْ رأى مثلَ ذا رأيًا ومنْ سمعَا
قوموا قيامًا على أمشاطِ أرجلكم ... ثم افزعوا قد ينالُ الأمنَ منْ فزِعا
المشط: سلاميات ظهر القدم؛ وهي عظام الأصابع، واحدتها سلامى.
وقلدوا أمركم، للهِ دركمْ ... رحبَ الذراعِ بأمرِ الحرب مضطلعا
الضلاعة: القوة. وفلان يضطلع بهذا الأمر: أي تقوى ضلاعهُ على حمله.
الدر: اللبن. ولله دره: أي لله عمله. ويقولون في الذم: لا درّ درّه: أي لا كثر خيره.
لا مترفًا إنْ رخاءُ العيشِ ساعدهُ ... ولا إذا عضَّ مكروهٌ به خشعا
الترفه: النعمة.
لا يطعم النومَ إلا ريثَ يبعثه ... هم يكادُ سناهُ يقصمُ الضلعَا
القصم: أن ينصدع الشيءُ من غير أن يبين. وكل منثنٍ مقصوم. والريث: الإبطاءُ. ورجلٌ ريث: بطيء.
مسهدَ النومِ تعنيهِ أموركمُ ... يرومُ منها إلى الأعداءِ مطلعَا
ما انفكَّ يحلبُ هذا الدهرَ أشطرَه ... يكونُ متبعًا طورًا ومتبعا
قولهم: حلب فلانٌ الدهر أشطره: معناه مرت عليه ضروب من خيره وشره. وأصل ذلك من أخلاف الناقة: لها خلفان قادمان، وخلفان آخران؛ فكل خلفين شطر.
حتى استمرتْ على شزرٍ مريرته ... مستحكمَ الرأي لا قحمًا ولا ضرعا
القحم: الشيخ الهم. والضرع: الرجل الضعيف. والحبل المشزور: المفتول مما يلي اليسار. وأمرتُ الحبلَ: شددتُ فتله. والمرة: شدة الفتل. والمرير: الحبل الشديد فتلًا.
1 / 5
وليس يشغله مالٌ يثمره ... عنكم ولا ولدٌ يبغي له الرفعا
كما لكِ بن قنانٍ أو كصاحبهِ ... عمرو القنا يومَ لاقَى الحارثينِ معَا
إذْ عابهُ عائبٌ يومًا فقال له: ... دمثْ لجنبكَ قبلَ الليل مضطجعَا
الدمث: اللين. والمكان اللين: دمث. ويكون ذا رمل. والدماثة: سهولة الخلق.
فشاوروه فألفوهُ أخا عللٍ ... في الحربِ لا عاجزًا نكسًا ولا ورعَا
ورع: جبان.
لقد بذلتُ لكم نصحي بلا دخلٍ ... فاستيقظوا؛ إن خيرَ العلمِ ما نفعَا
الدخل كالدغَل. والدخَل: العيب في الحسب. وبنو فلان في بني فلان دخل: إذا انتسبوا معهم، وليسوا منهم.
هذا كتابي إليكم والنذيرُ لكمْ ... لمنْ رأى رأيه منكمْ ومن سمعَا
قصيدة قعنب
وقال قعنب ابن أمِّ صاحب:
بانتْ سليمَى فأمستْ دونها عدنُ ... وغلقتْ عندها من قلبكَ الرهنُ
غلق الرهنُ في يد مرتهنه: إذا لم يفتك.
علقتَ سلمَى على عصرِ الشبابِ فقدْ ... أودَى الشبابُ وسلمَى الهمُّ والحزنُ
علقتُْ فلانة: حببتْ إليَّ وهويتها. والعلاقة والعلق: الهواية. يقال نظرة ذي علق.
حلتْ بأبينَ في حيٍّ مجاورةً ... بيني وبينهم الأحقادُ والدمنُ
واحتلَّ أهلكَ من صرفِ النوى بهم ... أرضًا يحاكُ بها الكنانُ والقطنُ
النوى: التحول من دارٍ إلى دار. والنية: الأمر والوجه الذي تنويه. وقيل النية والنية والنوى والنأي كلهن: البعد.
1 / 6
أرضًا بها الطعنُ والطاعونُ ينكؤهمْ ... كما تنحرُ في لباتِها البدن
البدنة: التي تهدى إلى بيت الله جل وعز. وسميت بذلك لسمنها؛ وكانوا يستسمنونها.
لا نومَ إلاَّ على خوفٍ وزلزلة ... فيها ولا مالَ إلاَّ السيفُ والبدنُ
البدن: الدرع.
وكلُّ أسمرَ عراضٍ مهزتُه ... كأنهُ برجَا عاديةِ شطنُ
عراض: مضطرب.
فانظرْ، وأنتَ بصرٌ، هل ترى ظعنًا ... تحدى بنجدٍ؛ ومن أنى لك الظعنُ؟
الظعينة: المرأة في الهودج. والظعون: البعير الذي يحملها، وجمعه ظعن. وقيل: الظعن الهوادج كأن فيها نساءٌ أولًا.
وفي الخدورِ، لوَ أنَّ الدارَ جامعةٌ ... حورٌ أوانسُ في أصواتِها غننُ
الغنة: خروج الكلام بالأنف.
هل للعواذلِ من ناهٍ فيزجرها ... إن العواذلَ منها الجور واللسنُ
لسنت الرجل ألسنه لسنًا: إذا أخذته بلسانك. واللسن: الفصاحة واللسن: اللغة.
اللائماتُ الفتى في أمرهِ سفهًا ... وهنَّ بعدُ ضعيفاتُ القوى وهنُ
مهلًا أعاذلَ قد جربتِ من خلقي ... أنى أجودُ لأقوامٍ وإنْ ضننوا
إذا غلا المجدُ في مالي كسرتُ لهُ ... والحمدُ لا يشترى إلا له ثمنُ
ما بالُ قومٍ صديقًا ثم ليس لهمْ ... عهدٌ وليس لهم دينٌ إذا ائتمنوا
إنْ يسمعوا ريبةً طاروا لها فرحًا ... مني وما سمعوا من صالحٍ دفنوا
صمٌ إذا سمعوا خيرًا ذكرتُ به ... وإن ذكرتُ بسوءٍ عندهم أذنوا
أذن: إذا استمع. ومنه قول الأعشى:
إنَّ همي في سماعِ وأذنْ. وقوله ... في سماعٍ يأذنُ الشيخ له
1 / 7
وقد علمتُ على أنِّي أعايشهم ... لا نبرح الدهر فيما بيننا إحنُ
ولن يراجعَ قلبي ودهم أبدًا ... زكنتُ من بغضهم مثل الذي زكنوا
زكنت منك كذا: أي علمته. ولا يقال أزكنتُ. وقد ذكر عن الخليل. وقيل الزكن: الظن.
مثل العصافيرِ أحلامًا ومقدرةً ... لو يوزنونَ بزفِّ الريشِ ما وزنُوا
جهلًا علينا وجبنًا عن عدوهم ... لبئستِ الخلتانِ الجهلُ والجبنُ
مالي أسكنُ عن وهب وتشتمني ... ولو شتمتُ بني وهبٍ لقد سكنوا
كغارزٍ رأسه لم يدنهِ أحدٌ ... بين القرينين حتى لزهُ القرنُ
القرينان: بعيران يشدُّ أحدهما إلى الآخر. والحبلُ الذي يشدانِ به قران وقرن.
قصيدة أعشى باهلة
وقال أعشى باهلة، وهو عامرُ بن الحارث، وكنيته أبو قحافة يرثي المنتشر بن وهب الباهلي، ومنتشر من السعاة السباقين في سعيهم؛ قتله بنو نفيل بن عمرو بن كلاب:
إنِّي أتتني لسانٌ لا أسرُّ بها ... من علوُ لا عجبٌ منها ولا سخرُ
فبتُّ مرتفقًا حيرانَ أندبه ... وكنتُ أحذره لو ينفعُ الحذرُ
وجاشت النفسُ لما جاَء جمعهم ... وراكبٌ جاَء منْ تثليثَ معتمرُ
يأبى على الناسِ لا يلوِي على أحدِ ... حتى التقينا وكانت دوننا مضرُ
إنَّ الذي جئتَ من تثليثَ تندبه ... منه السماحُ ومنه النهيُ والغيرُ
1 / 8
نعيتَ من لا تغبُّ الحيَّ جفنتهُ ... إذا الكواكبُ أخطا نوءها المطرُ
وراحت الشولُ مغبرًا مناكبها ... شعثًا تغيرَ منها النيُّ والوبرُ
عليه أولُ زادِ القومِ إنْ نزلوا ... ثم المطيُّ إذا ما أرملُوا جزرُ
من ليس في خيره شرٌّ يكدرهُ ... على الصديق ولا في صفوهِ كدرُ
طاوي المصير، على العزاءِ منصلتٌ ... بالقومِ ليلة لا ماءٌ ولا شجرُ
لا تأمنُ البازلُ الكوماءُ ضربتهُ ... بالمشرفيِّ إذا ما اخروطَ السفرُ
اخروَّط واجلوذ: طال.
وتكظمُ الشولُ منه حين تبصرهُ ... حتى تقطع في أعناقها الجررُ
تكفيه حزةُ فلذٍ إنْ ألمَّ بها ... من الشواءِ، ويكفي شربهُ الغمرُ
لا يتأرى لما في القدرِ يرقبُهُ ... ولا يعضُّ على شرسوفهِ الصفرُ
يتأرى: يتحبس. ومنه آرى الدابة: محبسها. والصفرَ فيما تزعم العرب: حية تكون في بطن الإنسان، فإذا جاع عضت على شرسوفه.
لا يغمزُ الساقَ من أينٍ ولا وصبٍ ... ولا يزالُ أمامَ القومِ يقتفرُ
1 / 9
لا يصعبُ الأمرَ إلا ريثَ يركبهُ ... وكل شيءٍ سوى الفحشاءِ يأتمر
لا يصعب الأمر - رواية - لا يصعب الأمر: أي لا يجده صعبًا إلا قبل ارتكابه، فإذا ركبه سهل عليه.
مهفهفٌ، أهضمُ الكشحينِ، منخرقٌ ... عنه القميصُ، لسيرِ الليلِ محتقر
تلقاهُ كالكوكبِ الدريِّ منصلتًا ... بالقومِ ليلةَ لا نجمٌ ولا قمرُ
عشنا بذلك دهرًا ثم فارقنا ... كذلكَ الرمحُ ذو النصلينِ ينكسرُ
أخو حروبٍ ومكاسبٌ إذا عدموا ... وفي المخافةِ منه الجدُّ والحذرُ
أخو رغائبَ يعطيها ويسألها ... يأبى الظلامةَ منه النوفلُ الزفرُ
لا يأمنُ الناسُ ممساهُ ومصبحهُ ... من كلِّ فجٍّ وإنْ لم يغزُ ينتظرُ
كأنه بعدَ صدقِ القومِ أنفسهم ... باليأسِ تلمعُ من قدامهِ البشرُ
لو لم تخنهُ نفيلٌ، وهي خائنةٌ ... لصبحَ القومَ وردٌ ما له صدرُ
أصبتَ في حرمٍ منا أخا ثقةٍ ... هندُ بن أسماَء لا يهنئ لك الظفرُ
ورادُ حرب شهابٌ يستضاءُ به ... كما أضاَء سوادَ الطخية القمرُ
إمَّا يصبكَ عدوٌّ في مناوَأة ... يومًا فقد كنتَ تستعلي وتنتصرُ
فإنْ جزعنا فقد هدت مصيبتنا ... وإنْ صبرنا فإنَّا معشرٌ صبرُ
إمَّا سلكتَ سبيلًا كنتَ سالكها ... فاذهب فلا يبعدنكَ اللهُ منتشرُ
من ليس فيه إذا قاولتهُ زهقٌ ... وليس فيه إذا ياسرتهُ عسرُ
1 / 10
قصيدة حاتم الطائي
وقال حاتمُ بنُ عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي بن أخزم بن هزومة بن ربيعة بن جرول ابن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيئ:
أتعرفُ أطلالًا ونؤيًا مهدمَا ... كخطكَ في رقٍّ كتابًا منمنما
المنمنم: المحسن.
أذاعتْ به الأرواحُ بعدَ أنيسهِ ... شهورًا وأيامًا وحولًا مجرما
أذاعتْ به: فرقته. المجرم: التام الذي انقطع. وجرم الحبلَ: قطعه. وقد انجرم الحول. ومنه الجرام: الصرام.
المجرم: التام. والأرواح: جمع ريح، رجعت الياء إلى أصلها لما سكنَ ما قبلها. قال: أطلالًا. ثم قال: أذاعت به. فرجع إلى الطلل.
فأصبحنَ قد غيرنَ ظاهرَ تربه ... وبدلتِ الأنواءُ ما كان معلما
أي ما كان معروفًا. ويروى: وأنكرت الأنواءُ؛ أي عرضته لأن ينكر، كقولك أقتلته: عرضته للقتل. وأبعتُ الشيءَ عرضتهُ للبيع. قال الهمداني:
فرضيتُ آلاَء الكميتِ فمن يبعْ ... فرسًا فليس جوادُنا بمباع
وغيرها طول التقادم والبلى ... فما أعرفُ الأطلالَ إلا توهمَا
ديارُ التي قامتْ تريكَ، وقد خلت ... وأقوتْ من الزوارِ، كفا ومعصما
المعصم: موضع السوار.
ونحرًا كفا ثورِ اللجينِ يزينه ... توقدُ ياقوتِ وشذرًا منظمَا
الفاثور: خوان صغير.
كجمرِ الغضَا هبتْ له بعدَ هجعةٍ ... من الليلِ أرواحُ الصبا فتضرما
قال أبو عبيدة: الصبا عند العرب لإلقاحِ الشجر. والشمال للروح. والجنوب للإمطار. والدبور للبلاءِ؛ وأهونه أن يكون غبارًا عاصفًا يقذي العيونَ؛ وهي أقلهنَّ هبوبًا.
يضيءُ لها البيتُ الظليلُ خصاصُه ... إذا هي ليلًا حاولتْ أن تبسمَا
يضيءُ لها: أي لأجلها. يعني لا خصاصَ فيه: أي لا فرَج.
إذا انقلبتْ فوقَ الحشيةِ مرةً ... ترنمَ وسواسُ الحليِّ ترنمَا
1 / 11
وعاذلتينِ هبتا بعد هجعةٍ ... تلومانِ متلافًا مفيدًا ملوما
تلومانِ لمَّا غورَ النجمُ ضلةً ... فتًى لا يرى الإنفاقَ في الحقِّ مغرما
غور: دنا من المغيبِ. وضلةً: أي ضلالا. ورجلٌ ضلة: لا يهتمُّ بشأنه وماله. والنجمُ في تأويل النجوم، كما تقول: ما رفع عنهم السيف، وعزَّ الدرهم والدينار. والنجم اسم علم للثريا خاصة.
فقلتُ وقد طالَ العتابُ عليهما ... وأوعَدَتانِي أن تبينَا فتصرمَا
ألا لا تلوماني على ما تقدمَا ... كفى بصروفِ الدهرِ للمرءِ محكما
محكمًا: أي إحكامًا.
فإنكما لا ما مضَى تدرِكانهِ ... ولستُ على ما فاتني متندمَا
تحلمْ عن الأدنينَ واستبقِ ودهمْ ... ولن تستطيعَ الحلمَ حتى تحلمَا
ونفسكَ أكرمها، فإنكَ إنْ تهنْ ... عليَ فلن تلقى لها الدهرَ مكرما
أهنْ في الذي تهوى التلادَ فإنَّه ... يصيرُ إذا ما مُتَّ نهبًا مقسما
ويروى: فإنه إذا متَّ صار المالُ نهبًا. . . .
التلاد والتليد: ما كان عندهم قديمًا. وأصل التاءِ الواو، كأنه ولد عندهم. والطارف والطريف: ما استحدثوه.
ولا تشقيًا فيه فيسعد وارثٌ ... به حينَ تحشَى أغبَر الجوفِ مظلمَا
يقسمه غنمًا ويشرِي كرامهُ ... وقد صرتَ في خطٍّ منَ الأرضِ أعظمَا
يشرِي: يبتاعُ. ويشرِي: يبيعُ: ولبئس ما شروا به أنفسهم. ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله؛ أي يبيع نفسه. الخطُّ: الشقُّ.
قليلًا به ما يحمدنكَ وارثٌ ... إذا ساقَ مما كنتَ تجمعُ مغنما
متى ترقِ أضغانَ العشيرةِ بالأنَى ... وكفِّ الأذى يحسمْ لك الداَء محسمَا
الأنى والأناة: الحلم.
إذا شئتَ نازيتَ امرأَ السوءِ ما نَزَا ... إليكَ، ولاطمتَ اللئيمَ الملطَّما
وعوراَء قد أعرضتُ عنها فلم تضرْ ... وذي أودٍ قومتهُ فتقوما
عوراء: كلمة قبيحة. وعورت عليه ما فعل: قبحته. ويقال: ضاره يضيره ضيرًا ويضوره. حكى الفراء: لا ينفعني ذلك ولا يضورني. والأود: الاعوجاج.
1 / 12
وأغفرُ عوراَء الكريمِ ادخارهُ ... وأعرضُ عن شتمِ اللئيم تكرما
وأغفر: أستر. يقولون: اصبغْ ثوبك؛ فإنه أغفرُ للوسخِ.
ولا أخذُلُ المولَى وإنْ كانَ خاذلًا ... ولا أشتمُ ابنَ العمِّ إنْ كان مفحمَا
وما ابتعثتني في هوايَ لجاجةٌ ... إذا لم أجدْ فيما أماميَ مقدمَا
وليلٍ بهيم قد تسربلتُ هولهُ ... إذا الليلُ بالنكسِ الجبانِ تجهما
ولن يكسبَ الصعلوكُ حمدًا ولا غنًى ... إذا هو لمْ يركبْ من الأمرِ معظما
ولم يشهد الخيلَ المغيرةَ بالضُّحى ... يثرنَ عجاجًا بالسنابكِ أقتما
عليهنَّ فتيانٌ كجنةِ عبقرٍ ... يهزونَ بالأيدي وشيجًا مقوما
لحى اللهُ صعلُوكًا مناهُ وهمه ... من العيشِ أن يلقَى لبوسًا ومطعما
ينامُ الضحى حتى إذا يومهُ استوى ... تنبهَ مثلوجَ الفؤادِ مورمَا
مقيمًا معَ المثرينَ ليس ببارِح ... إذا نالَ جدوَى من طعامٍ ومجثما
وللهِ صعلوكٌ يساورُ همهُ ... ويمضي على الأحداث والدهرِ مقدمَا
فتى طلباتٍ لا يرى الخمصَ ترحةً ... ولا شبعةً إنْ نالَها عدَّ مغنمَا
إذا ما رأى يومًا مكارمَ أعرضتْ ... تيممَ كبراهنَّ ثمتْ صممَا
يرى رمحهُ ونبلهُ ومجنهُ ... وذا شطبٍ عضْبَ الضريبةِ مخذَما
الشطبُ: الطرائق في السيف. والضريبة: ما ضرب، فأراد به قاطعٌ للضريبة. والمخذم: الذي ينتسف القطعة وخذم الثوب: شققه.
1 / 13
وأحناَء سرج قاترٍ ولجامهُ ... عتادَ فتَى هيجَا وطرفًا مسومَا
سرج قاتر: إذا كان جيدَ الأخذِ من ظهرِ الفرس، لا صغيرًا ولا كبيرًا.
ويغشى إذا ما كانَ يومُ كريهة ... صدورَ العوالي فهوَ مختضبٌ دمَا
إذا الحربُ أبدتْ ناجذيها وشمرت ... وولَّى هدانُ القومِ أقدمَ معلمَا
فذلك إنْ يهلكْ فحسنٌ ثناؤُه ... وإنْ عاشَ لم يقعدْ ضعيفًا مذممَا
قصيدة بشامة بن عمرو
وقال بشامة بن عمرو بن هلال:
هجرتَ أمامةَ هجرًا طويلًا ... وحملكَ النأيُ عبئًا ثقيلا
في أخرى:
نأتكَ أمامةُ نأيًا طويلا ... وحملكَ الحبُّ وقرًا. . .
وبدلتَ منها على نأيها ... خيالًا يوافِي ونيلًا قليلا
ونظرةَ ذي علقٍ وامقٍ ... إذا ما الركائبُ جاوزنَ ميلاَ
العلق والعلاقة: الحب. ويروى: ذي شجنٍ.
وقامتْ تسائلُ عن شأنِنا ... فقلنَا لها قد عزمنَا الرحيلاَ
أي على الرحيل، فحذف ولا تعزموا عقدة النكاح.
فبادَرَها ثمَّ مستعجلٌ ... من الدمعْ ينضحُ خدًا أسيلاَ
وما كانَ أكثرَ ما نولَتْ ... من الودِّ إلا صفاحًا وقيلا
فقربْتُ للرحْلِ عيرانةً ... موثقةً عنتريسًا ذمولا
في أخرى: فلما يئست كسوتُ القتودَ ناجيةً. . . .
العنتريس: الكثيرة اللحمِ الشديدة.
1 / 14
لها قردٌ تامكٌ نيهُ ... تزلُّ الوليةُ عنهُ زليلًا
تطرفُ أطرافَ عامٍ خصيب ... ولم يشلِ عبدٌ إليها فصيلاَ
فمرتْ على كشبٍ غدوةً ... وجازتْ بجنبِ أريك أصيلاَ
توطأُ أغلظَ حزانهِ ... كوطءِ القويِّ العزيز الذليلاَ
الحزيز: الغليظُ من الأرض. وجمعه حزان.
إذا أقبلتْ قلتَ مذعورةٌ ... من الربدِ تتبعُ هيقًا ذمولاَ
وإنْ أدبرتْ قلتَ مشحونة ... أطاعتْ لها الريحُ قلعًا جفولاَ
تعزُّ المَطيُّ جماعَ الطريقِ ... إذا أدلجَ الركبُ ليلًا طويلاَ
كأنَّ يديهَا إذا أرقلتْ ... وقد جرنَ ثمَّ اهتدينَ السبيلاَ
يدا عائمٍ خرَّ في غمرةٍ ... فأدركهُ الموتُ إلا قليلاَ
وخبرتُ قومِي ولم ألقهمْ ... أجدوا على ذي شويسٍ حلولاَ
أي جددوا نزولًا بهذا المكان.
فإمَّا هلكتُ ولمْ آتهمْ ... فبلغْ أماثلَ سهمٍ رسولاَ
أي رسالة. قال كثير:
لقد كذبَ الواشونَ ما بحتُ عندهم ... بسرٍّ ولا أرسلتهم برسولِ
إنا رسولُ رب العالمين: أي ذوو رسالته.
1 / 15
بأنَّ التي سامكُمْ قومكمْ ... هم جعلوها عليكم دليلاَ
لا تهلكوا وبكمْ منةٌ ... كفى بالحوادثِ للمرءِ غولاَ
هوانُ الحياةِ وخزيُ المما ... تِ كلٌّ أراهُ طعامًا وبيلاَ
فإنْ لم يكنْ غيرُ إحدهُما ... فسيروا إلى الموتِ سيرًا جميلاَ
وحشوا الحروبَ إذا أوقدتْ ... رماحًا طوالًا وخيلًا فحولاَ
ومن نسجِ داودَ ماذيةٌ ... ترى للقواضبِ فيها صليلاَ
قصيدة النمر بن تولب
وقال النمر بن تولب العكلي:
صحا القلبُ عن ذكرهِ تكتمَا ... وكان رهينًا بها مغرمَا
في أخرى: سلا عنْ تذكرهِ تكتما.
السلوُّ: ترككَ الشيءَ؛ وربما قالوا في ترك التناسي: سلا يسلو.
وأقصرَ عنها وآياتها ... يذكرنهُ داءهُ الأقدما
أي حبه القديم. أقصر: كف وأمسك. وآياتها: معالمها.
فأوصى الفتى بابتناءِ العلاءِ ... وألا يخونَ ولا يأثمَا
ويلبَسُ للدهرِ أجلالهُ ... فلنْ يبنيَ الناسُ ما هدَّمَا
ويلبس للدهر أجلاله: أي ويتهيأُ لكل حالةٍ على حسب ما يرى مما ينبغي مثل قول العرب:
البسْ لكلِّ حالةٍ لبوسها ... نعيمها يومًا ويومًا بوسها
وقوله: فلن يبني الناسُ ما هدما: أي ما هدم من مجده. وتهديمه إياه: تضييعه.
وإن أنتَ لاقيتَ في نجدةٍ ... فلا تتهيبكَ أن تقدما
النجدة: الشدة والأمر الشاق؛ أراد فلا تتهيبها فقلب. ويقولون: تهيبني السفر؛ أي هبته. ومنه قول ابن مقبل:
ولا تهيبني الموماةُ أركبها ... إذا تجاوبتِ الأصداءُ بالسحرِ
أي لا أتهيبُ الموماةَ. والأصداءُ: جمعُ صدًى، وهو ذكرُ البوم.
فإنَّ المنيةَ منْ يخشها ... فسوفَ تصادفهُ أينما
يريد: أينما ذهبَ. فاقتصر على معرفةِ ذلك، وتركَ اللفظَ به.
1 / 16
وإنْ تتخاطاكَ أسبابها ... فإنَّ قصاراكَ أن تهرما
قصاراكَ: غايتك.
وأحبب حبيبكَ حبًا رويدًا ... لئلاَّ يعولكَ أن تصرما
في أخرى: فقد لا يعولُك؛ أي لا يشقُّ عليك. والعول: المصدر.
والمعنى: لا يعظم عليك الصرمُ إذا أردته أو أرادهُ حبيبك.
وأبغض بغيضك بغضًا رويدًا ... إذا أنت حاولتَ أن تحكمَا
أن تحكمَا: أي تكون حكيمًا. . ويروى: أن تحكِمَا؛ أي تُحكِم أمرك. ويقال: أحكمتهُ: أي
منعته ورددته عما يريد. قال جرير:
أبني حنيفةَ أحكموا سفهاَءكم ... إني أخافُ عليكمُ أن أغضبَا
أي امنعوهم وكفوهم.
فلوْ أنَّ من حتفهِ ناجيًا ... لألفيته الصدعَ الأعصمَا
الصدع: الوعل بين الجسيم والضئيل. والأعصم: الذي في يده بياض. وقيل: الذي اعتصم بقلةِ الجبل.
بإسبيلَ ألقتْ بهِ أمهُ ... على رأسِ ذي حبكٍ أيهما
إسبيل: بلدٌ. وقيل: جبلٌ. وأنشد الأصمعي شاهدًا على أنه بلد:
لا أرضَ بعدَ الأكمِ إلا إسبيلُ ... فكل أرض بعدَ تيكَ تضليلُ
والحبكُ: الطرائق. الواحدُ حباك. والأيهم: الذي لا يعرف به طريق. ومفازةٌ يهماء: لا يهتدى بها. ويقال للسيلِ الأيهم؛ لأنه لا يبالي ما ركب، ولا أين أخذ، كالأعمى يركب رأسه.
إذا شاَء طالعَ مسجورةً ... ترى حولها النبعَ والساسما
المجوة: المملوءة. والنبع: أكرم العيدانِ، ومنه تتخذ القسي. والساسم: الشيز. وقيل الآبنوس.
تكونُ لأعدائهِ مجهلًا ... مضلًا وكانتْ له معلما
المجهل: الذي لا يعرف. والمضل: الذي يضل فيه. ويروى: مضلًا. وكانت له معلما: أي هو عالمٌ بها.
سقته الرواعدُ من صيفٍ ... وإنْ منْ خريفٍ فلن يعدما
في أخرى: سقتها رواعدُ من صيف. الصيفُ: مطر الصيفِ. والخريف: المطرُ قبل دخولِ الشتاء.
فساقَ له الدهرُ ذا وفضةٍ ... يقلبُ في كفهِ أسهمَا
الوفضةُ: الكنانة؛ وهي التي يجعل فيها النبلُ، وهي بمنزلةِ الجعبةِ للنشاب. والجمع وفاض.
فراقبهُ وهو في قترةٍ ... وما كانَ يرهبُ أن يكلما
القترة: بيت الصائد.
فأرسل سهمًا لهُ أهزعًا ... فشكَّ نواهقهُ والفما
الأصمعي: الأهزعُ: الطويل. ويروى: مرهفًا. والنواهقُ من الوعل: ما حول أنفه. وهي من الفرس العظمان اللذان يبدوان في موضع مسيل الدموع.
فظل يشب كأنَّ الولو ... عَ كان بصحتهِ مغرما
يشب: يرفع يديه. شب الفرس: إذا رفع يديه عند التمعك. والولوع: القدر. والولوع: الدهر.
1 / 17
وأدركهُ ما أتى تبعًا ... وأبرهةَ الملكَ الأعظمَا
تبع: من ملوك اليمن من ملوك حمير. وأبرهة من ملوك الحبشة، كان النجاشيُّ وجهه إلى اليمن.
لقيم بن لقمان من أخته ... فكانَ ابنَ أختِ لهُ وابنَما
لقيم بن لقمان: رجلٌ من الأمم السابقة، يقال: إنَّ أختَ لقمان كانت عند رجل يجيء ولده ضعافًا فاحتالت لأخيها بالسكر حتى قع بها فولدت لقيمًا.
ليالي حمقَ فاستحصنتْ ... إليه فغرَّ بها مظلمَا
حمقَ: أي أسكرَ حتى ذهب عقله. وقوله: فاستحضت إليه أي أتته كأنها حصانٌ. والحصان والحاصنُ: العفيفة. وغر: من الغرور. ومظلمًا: أي والليل قد أظلم عليه.
فأحبلها رجلٌ نابهٌ ... فجاءتْ به رجلًا محكمَا
نابهٌ: مذكورٌ مشهور الذكر.
قصيدة الشنفرى
وقال الشنفرى الأزدي:
أقيموا بني أمي صدور مطيكم ... فإني إلى أهلٍ سواكمْ لأميلُ
أقيموا: سددوا.
فقد حمتِ الحاجاتُ والليلُ مقمرٌ ... وشدتْ لطياتٍ مطايا وأرحلُ
حمت: حضرت. والطية: السفر.
وفي الأرضِ منأًى للكريم عن الأذى ... وفيها لمنْ خافَ القِلَى متحولُ
ويروى: متعزل. منأى: مبعد.
لعمرك ما بالأرض ضيقٌ على امرئ ... سرى راغبًا وراهبًا وهو يعقلُ
ولي دونكمْ أهلونَ سيدٌ عملسٌ ... وأرقطُ زهلولٌ وعرفاءُ جيألُ
أرقط زهلول: أي حية أرقط. والزهلول: الأملس. والعرفاءُ: العظيمة العرف.
هم الرهطُ لا مستودعُ السر شائعٌ ... لديهمْ ولا الجاني بما جرَّ يخذلُ
أي ما جنى.
1 / 18
وكلُّ أبيٌّ باسلٌ غيرَ أنني ... إذا عرضتْ إحدى لطرائدِ أبسلُ
أبيٌّ: ممتنع. والباسل: الشجاع، والباسل: الغضبان. ويروى: إذا عرضتْ أولى الطرائد
وإنْ مدتْ الأيديِ إلى الزادِ لم أكنْ ... بأعجلهم إذْ أشجع القومِ أعجلُ
الجشع: أسوأ الحرص.
وما ذاكَ إلا بسطةٌ عن تفضلٍ ... عليهم، وكان الأفضلَ المتفضلُ
وإني كفاني فقدَ مَنْ ليس جازيًا ... بحسنَى ولا في قربهِ متعللُ
ثلاثةُ أصحابٍ: فؤادٌ مشيعٌ ... وأبيضُ إصليتٌ، وصفراءُ عيطلُ
عيطل: قوسٌ طويلة.
هتوف من المُلْسِ المتانِ يزينها ... رصائعُ قد نيطتْ إليها ومحملُ
يروى: من الملسِ المتون. والرصائعُ: عقد السيرِ.
إذا زالَّ عنها السهمُ حنتْ كأنها ... مرزأةٌ ثكلى ترنُّ وتعولُ
ولستُ بمهيافٍ يعشى سوامهُ ... مجدعةً سقبانها وهي بهلُ
مهيافٌ: سريع العطش. والمجدعة: السيئة الغذاء. والباهلُ: التي لا صرارَ على ضرعها. وهي مع ذلك حافلٌ.
ولا جُبأٍ أكهى مربٍّ بعرسهِ ... يطالعها في شأنه كيف يفعلُ
جبأَ: جبان. وأكهى: أفعل من الكهاةِ؛ وفي الناقة العظيمة. ويقال: المسنة. والمربُّ: الملازم.
1 / 19
ولا خالف داريةٍ متغزلٍ ... يروحُ ويغدو داهنًا يتكحلُ
حالف: من الحلف. ويروى: خالف. يخلفُ الحي. ودارية: يدري شعره. ويروى: ذي إربةٍ، من قول الله ﷿: غير أولي الإربة. ومتغزل من الغزل. ويروى: متعزل.
ولستُ بعلٍّ شرهُ دونَ خيره ... ألفَّ إذا ما رعتهُ اهتاجَ أعزلُ
العلُّ: الكبير:. والأعزلُ: الذي لا سلاحَ معه.
ولستُ بمحيارِ الظلام إذا نحت ... هدى الهوجلِ العسيف يهماءُ هوجلُ
محيار: متحر. والهوجل الأول: البطيء الذي لا خير فيه. والهوجل الثاني: المفازة البعيدة. والعسيف: الساري على غير قصد. واليهماءُ: التي لا يهتدى فيها السفر.
إذا الأمعزُ الصوانُ لاقى مناسمي ... تطايرَ منهُ قادحٌ ومفللُ
الأمعز: مكانٌ ذو حجارة صلبة. والقادحُ: ما يقدح النار. والمفلل: المكسر.
أديمُ مطالَ الجوعِ حتى أميتهُ ... وأصرفُ عنه الذكْرَ صفحًا فأذهلُ
في أخرى: وأضربُ عنه. وهو أجود.
وأستفُّ تربَ الأرضِ كي لا يرى له ... على من الطولِ امرؤٌ متطولُ
ولولا اجتنابُ الذامِ لم يبقَ مشربٌ ... يعاشُ به إلا لدي ومأكلُ
ولكنَّ نفسًا حرةً لا تقيم بي ... على الضيمِ إلا ريثَ ما أتحولُ
ويروى: نفسًا مرةً.
وأطوي على الخمص الحوايا كما انطوتْ ... خيوطةُ ماريٍ تغارُ وتفتلُ
خيوطة مارِيٍّ: خيوطٌ من وبر الإبل.
وأغدو على القوتِ الزهيدِ كما غدا ... أزلُّ تهاداهُ التنائفُ أطحلُ
التنائف: الفلوات.
1 / 20