Mukhtarat Min Qasas Injlizi
مختارات من القصص الإنجليزي
Genres
فقال الشاب: «ومن أجل أنك كنت أبا لي أينبغي لي أن أتركك تموت وتبقى بلا دفن في هذه الفلاة؟ كلا، إذا كان أجلك قد دنا حقا فسأبقى بجانبك، وأتلقى آخر كلماتك، وسأحفر هنا قبرا بجوار الصخرة، فإذا خذلتني قوتي رقدنا فيه معا، أما إذا وهبني الله القوة فسآخذ طريقي إلى البلدة.»
فقال الآخر: «إنهم في المدن وفي حيث تسكن الجماعات من الناس يدفنون الموتى في جوف الأرض، ويحجبونهم عن عيون الأحياء، ولكن هنا - حيث يتفق أن تمضي مائة سنة ولا تدب قدم - لماذا لا أرقد تحت السماء لا تغطيني إلا أوراق البلوط، حيث تنثرها رياح الخريف؟ وإذا كان لا بد مما يذكر بي ويدل على مكاني، فها هنا هذه الصخرة وسأحفر عليها بيدي الضعيفتين اسم «روجر مالفن»، فإذا اجتاز هذه الناحية أحد عرف أن ها هنا يرقد صائد مقاتل، فلا تتلكأ إذن من أجل سخافة كهذه، بل أسرع إن لم يكن من أجلك فمن أجل تلك التي لن تجد مؤاسيا بغير ذلك.»
وكان مالفن ينطق بالكلمات الأخيرة بصوت مضطرب، وكان وقعها في نفس صاحبه واضحا جدا، فأذكرته أن هناك واجبات أخرى أصرح من مشاطرة صاحبه مآله، وأن موته معه لن ينفعه. وليس في الوسع أن يقال إن قلب روبن خلا من كل شعور أناني، وإن كان إدراكه لاضطراب نفسه بهذا الشعور، قد حمله على التشدد في مقاومة الرجاء الذي ألح به عليه زميله.
وقال روبن: «ما أهول أن يقعد المرء منتظرا دلوف الموت إليه في هذه الوحدة! ... إن الرجل المقدام لا يتهيب الموت في إبان المعركة، وحتى المرأة قد تتلقى الموت وهي ساكنة النفس إذا حف بسريرها الأوداء. ولكن هنا ...»
فقاطعه مالفن قائلا: «لن أفرق من الموت حتى هنا يا روبن بورن. وإني لرجل غير منخوب القلب، ولو أنني كنت ذاك لكان لي عون أوثق من عون الإخوان. وأنت شاب والحياة حبيبة إليك وعزيزة عليك، وأنت في ساعاتك الأخيرة أحوج إلى المواساة مني. واعلم أنك بعد أن تدفنني في جوف الثرى وتمسي مستفردا وحيدا، ويلف الليل هذه الغابة في شملته، ستشعر حينئذ بكل مرارة الموت التي تغيب عنك الآن. على أني لن أحض نفسك الكريمة بدوافع من الأثرة. فاتركني من أجلي أنا ليتسنى لي بعد أن أدعو الله لك بالسلامة، أن أتوجه إليه بقلبي مستغفرا من غير أن تزعجني هموم الدنيا وأحزانها.»
فصاح روبن: «وابنتك؟ كيف أجرؤ أن أنظر إليها؟ ستسألني عن مصير أبيها الذي أقسمت أن أبذل حياتي دونه. فهل أقول لها إنه سار معي ثلاثة أيام من ميدان القتال وإني بعد ذلك تركته يموت في الفلاة؟ أليس خيرا أن أرقد وأموت إلى جانبك من أن أعود سالما وأقول هذا لدوركاس؟»
فقال روجر مالفن: «قل لابنتي إنك على الرغم من جراحك البليغة وضعفك وتعبك قدت خطاي المتعثرة عدة أميال وإنك ما تركتني إلا إجابة لرغبتي الملحة لأني لم أرد أن أحمل تبعة موتك. قل لها إنك على الرغم من الألم والخطر كنت وفيا. وأنه لو كان دم قلبك يستطيع أن ينقذني لأريق في سبيلي إلى آخر قطرة، وقل لها إنك ستكون أحنى عليها من أبيها، وإني أدعو لكما جميعا، وإن عيني اللتين يوشك أن يطبقهما الموت تستطيعان أن تريا طريقا طويلا تسلكانه معا وتحمدان السير فيه.»
وكان مالفن وهو يتكلم قد كاد يرفع نفسه عن الأرض، وكأنما بعثت القوة التي نطق بها العبارة الأخيرة صورة من صور السعادة في هذه الغابة الموحشة، ولكنه تحلل به الإعياء فهوى على فراش الورق فانطفأ النور الذي التمعت به عينا روبن وأحس كأن من الإثم والجنون أن يفكر في السعادة في مثل هذه اللحظة. وكان صاحبه يلاحظ ما يتعاقب على محياه من المشاعر المختلفة، فأراد أن يحمله بالحيلة الكريمة على ما فيه خيره، ومضى في كلامه فقال: «عسى أن أكون واهما في أجلي، ولعلي إذا أسعفت بالمعونة أبرأ من جراحي، ولا بد أن يكون أسبق اللاجئين قد حملوا قبل الآن أنباء ملحمتنا الوبيلة إلى الحدود، وأحسب أن جماعات قد خرجت لنجدة أمثالنا، فإذا لقيت جماعة منهم وعدت بها إلى هنا فمن يدري؟ لعله يقسم لي أن أجلس مرة أخرى إلى جانب موقدي.»
وطافت ابتسامة حزينة بمحيا هذا الرجل الذي يجود بنفسه وهو يوحي إلى صاحبه بالأمل الذي لا مطمع فيه، وإن كان قد ترك أثره في نفس روبن. وما كان أي باعث من الأثرة، ولا حتى أسى دوركاس وولهها ليغريه بهجر رفيقه في ساعة كهذه، ولكن هوى قلبه تعلق بالأمل في إمكان إنقاذ مالفن، وأمدته طبيعته المستبشرة بما رفع إلى مرتبة اليقين ذلك الأمل البعيد، البعيد، في الحصول على معونة إنسانية.
وقال كأنما يحدث نفسه: «إن هناك على التحقيق دواعي - دواعي قوية - تبعث على الأمل في أن يكون بعض الإخوان غير بعيدين منا. لقد فر جبان - خرج بلا جرح - في أول القتال، والأرجح جدا أن يكون قد أسرع حتى بلغ مأمنا، ولا شك أن كل ذي نجدة حقيق بأن يحمل بندقيته حين يسمع أنباء الوقعة، وقد لا تتوغل الجماعات في تطوافها إلى هذا المكان من الغابة، ولكني قد ألتقي ببعضها بعد مسيرة يوم واحد.»
Unknown page