Mukhtarat Min Qasas Injlizi
مختارات من القصص الإنجليزي
Genres
فيكون له جمال هذه الأعناب التي تلبسها على ثيابها، وإذا ملتها رمتها، فإنه يستطيع أن ينظم غيرها، ويجيئها بثمار الأشجار وبالأزهار المخضلة واليراعات الوهاجة البريق لتزين بها شعرها الذهبي فتكون فيه كالنجوم المتلامحة.
ولكن أين هي؟ سأل الوردة البيضاء فلم تجبه، وبدا له القصر كأنه نائم كله - حتى في حيث لم تغلق النوافذ، أسدلت الأستار الكثيفة لتحجب الضوء، فمضى يحوم حول القصر باحثا عن مدخل إلى أن انتهى إلى باب صغير كان مواربا فتسلل منه وألفى نفسه في قاعة فخمة - أفخم وأروع من الغابة، فقد كان كل ما فيها مذهبا، حتى البلاط كان من قطع كبيرة ملونة مرصوفة على نحو هندسي، ولكن الأميرة لم تكن هناك، ولم يكن ثم سوى تماثيل صغيرة بديعة تنظر إليه من فوق القوائم التي رفعت عليها بعيون بيضاء وشفاه مفترة.
وكان في آخر القاعة سجف من المخمل الأسود المطرز وعليه صور الشمس والنجوم التي كان الملك يؤثرها كشعار له، أفتراها مختبئة وراء هذا؟ سيرى!
فمشى على أطراف أصابعه إلى السجف ونحاه قليلا. كلا! كل ما هنالك حجرة أخرى وإن كانت أجمل فيما بدا له من التي أقبل منها، وكان على الجدران رقعة خضراء مطرزة وعليها صور أناس خارجين للصيد، وقد صنعها فنانون من البلاد الواطئة سلخوا من أعمارهم فيها سبع سنوات. وكانت هذه في بعض الأعصر الخوالي حجرة - «جان المجنون» - كما كان يسمى، ذلك الملك الذي كان مجنونا بالطراد، فكان كثيرا ما يحاول أن يمتطي الخيل العظيمة الشديدة الشماس أو الجماح أو الكثيرة التقريب،
15
وأن يصرع الظبي الذي تقفز حوله الكلاب، وهو ينفخ في النفير ويضرب بخنجره، وقد صارت هذه الحجرة تتخذ لمجلس الوزراء، وكان على المنضدة الوسطى فيها محافظ الوزراء الحمراء، وعليها شارة إسبانيا وشعار آل هابسبرج.
وأدار القزم عينيه في الحجرة متعجبا، وخامره الخوف من الاستمرار، وكان يخيل إليه أن هؤلاء المصورين الذين يركضون بسرعة ومن غير أن يحدثوا صوتا، مثل تلك الأشباح المرعبة التي سمع الحطابين يتحدثون عنها ويقولون إنها تخرج للصيد في الليل، فإذا لقيت إنسانا قلبته غزالا وراحت تطارده. ولكنه تذكر الأميرة فتشجع، وكان يريد أن يلقاها وحدها وأن يقول لها إنه هو أيضا يحبها، فلعلها في الغرفة التي وراء هذه!
وذهب يجري على السجاد المراكشي الناعم الوثير وفتح الباب. كلا! ولا هنا أيضا! فقد كانت الغرفة خالية.
وكانت هذه قاعة العرش التي يستقبل فيها الملك سفراء الدول الأجنبية. وما أقل ما يفعل الآن. وهي نفس القاعة التي جاء إليها منذ سنوات عديدة رسل من إنجلترا ليتفقوا على التدابير اللازمة لزواج ملكتهم - وكانت يومئذ كاثوليكية - بابن الإمبراطور. وكانت الأستار من جلد قرطبة المذهب، وقد تدلت من السقف المدهون باللونين الأسود والأبيض، شجرة عظيمة تحمل أغصانها ثلاث مائة شمعة. وكان فوق العرش ظلة مذهبة صورت عليها أسود قسطيلية وصروحها باللآلئ الدقيقة، وكان العرش مجللا بمخمل أسود موشى بأزهار من الفضة، وأطرافه محلاة بالفضة واللؤلؤ، وعلى الدرجة الثانية من منصة العرش مقعد الأميرة وفوقه وسادة كسوتها من نسج الفضة، وتحت هذه الدرجة وفيما يخرج عن نطاق الظلة، كرسي لسفير البابا وكان هذا وحده هو الذي له الحق في الجلوس في حضرة الملك في أي احتفال عام، وكانت قبعته ذات الزر القرمزي، موضوعة على محمل بنفسجي أمام الكرسي. وعلى الجدار المواجه للعرش صورة بالحجم الطبيعي لشارل الخامس في ثياب الصيد وإلى جانبه كلب عظيم، وعلى حائط آخر صورة لفيليب الثاني وهو يستقبل وفد البلاد الواطئة الذي جاء ليعرب عن الولاء والخضوع. وبين النافذتين صندوق من الآبنوس مطعم بصفائح من العاج نقشت عليها صورة «رقصة الموت» لهولبين، ويقول البعض إن هذا المصور هو الذي نقشها بيديه.
ولكن القزم لم يكن يعبأ شيئا بهذه الأبهة كلها. وما كان ليرضى أن يعتاض من وردته البيضاء كل ما في نسج الظلة من لآلئ، بل ما كان ليستبدل بغلالة واحدة من غلائل وردته، العرش نفسه، وما كان يبغي سوى أن يرى الأميرة قبل أن تنزل إلى السرادق، ليرجو منها أن تذهب معه بعد أن يقوم برقصته، فقد كان الجو هنا، في القصر، محبوسا خانقا، وكان له على الصدر جثوم، ولكن الهواء في الغابة حر، ونور الشمس يفرق أوراق الشجر المضطربة بأيد من الذهب. وهناك في الغابة الأزهار أيضا. وقد لا يكون لها جمال نظائرها في الحديقة، ونضرتها وبهجتها، ولكنها أزكى أرجا وأطيب عبيرا، وأشد توهجا - هناك الحوجم الذي يغمر الوادي والهضاب المنبسطة المعشاب، بحمرته المتموجة، والذريب
Unknown page