لم يكن شوقي إذن يكلف بالديباجة، ولا يجهد في تسوية اللفظ وصقله، ولكنه مع هذا قد يجيء بالعجب العاجب! بل لقد استحدث شوقي في العربية صيغا أوفت على الغاية من حلاوة اللفظ، ومتانة النسج، وقوة الإشراق، وأحسب أن قوة المعاني هي التي أرادته على هذا ودفعته إليه دفعا.
ولقد كان مما يعد على شوقي أنه يكثر من الغريب في شعره، حتى لقد كان يضطر هو إلى تذييل ما يفشي من قصائده في الصحف بالشرح والتفسير، ولا أحسب هذا سائغا في العصر الذي نعيش فيه، بل إني لأزعم أن محصول شوقي من متن اللغة لم يكن يواتي هذا القدر الذي يشعره استكثاره من الغريب في قصيده، فلقد كنت تسأله معنى الكلمة المفردة تكون قد خلت في بعض شعره، فإذا هو لا يدريه في بعض الأحايين، وإنني لأرجح أن الرجل لم يكن يعمد بهذا إلى التكثر بسعة العلم، ووفرة المحصول من اللغة، ولكن لأنه كان يصيب من دقائق المعاني ما لا يتيسر له أداؤه باللفظ الشائع، كما كان يطيل أحيانا كثيرة في القصائد إطالة يحتاج معها إلى الكد في التماس القوافي، فكان يضطر في هذا وفي هذا إلى التماس الألفاظ من المعجمات ينتزعها انتزاعا.
التجديد والمجددون
وهنا أحب أن أقول شيئا يسيرا في التجديد والمجددين، وإنني أوجه هذا الكلام بنوع خاص إلى الناشئين من المتأدبين.
إذا كان من آيات الحياة في الكائنات تطورها ونموها وتجددها، فالأدب ولا شك من هذه الكائنات التي لا تكتب لها الحياة إلا على التطور والنمو والتجديد ، وإلا كان ميتا أو أشل على أيسر الحالين.
ولكنني أحب أن ألفت في هذا المقام إلى مسألة قد تدق على أفهام الكثير أو القليل، وتلك أن هناك فرقا بين التربية والتجديد، وبين المسخ والتغيير، ولست أجد مثلا أسوقه في هذا الباب خيرا من حياة الطفل وحياة النبات، كلاهما ينمو ويربو، وكلاهما يطول ويزكو، حتى يبلغ الحد المقسوم لكماله، وقد تتغير بعض معارفه، وقد تحول بعض أعراضه، ولكنه في الغاية هو هو لا شيء آخر، فحسن الوليد، هو حسن الطفل، هو حسن الفتى، هو حسن الشاب، هو حسن الكهل، وهو حسن الشيخ، وتلك الفسيلة
5
الصغيرة، هي هذه النخلة الباسقة؛
6
كل نما وربا بما دخل عليه من الغذاء، وما اختلف عليه من الشمس والهواء.
Unknown page