لمن ادخرت الصارم المصقولا؟
ولقد كان المتنبي يرق فيقول في مثل ديباجة البحتري، حتى لتحسبه ينظم من زهر الروض أو من نسم السحر:
حببتك قلبي قبل حبك من نأى
وقد كان غدارا فكن أنت وافيا •••
يا أخت معتنق الفوارس في الوغى
لأخوك نم أبر منك وأرحم
وغير هذا وغير هذا تجده في شعر أبي الطيب، ولكنه من القليل أقل، أما سائر شعره فمن نظم العقل لا من نظم القلب، ومذهبه إلى صحة الفكر لا صحة الديباجة.
ولقد حدثتك أمس أن للرجل عقلا عبقريا قد يسمو به عن هذا الأفق ويحلق به فوق هذا المستوى فيدرك أشياء على غير ما يجري في تصور جمهرة الناس، فينحط بها إلى الشعر ضغطا في غير تزويق، وعلى هذا لا تقوى على احتمالها مثلي ديباجة البحتري، وهي كما وصفها بعض أصحابنا من «الدنتلا» فتتمزق من دونها تمزيقا، بل لقد تضطرب بجانبها قوانين البلاغة، ولقد تنشز على الذوق العام.
ولقد أرى أن الموضوع الذي نعالجه بهذه الأحاديث - القديم والجديد - لم ينجم اليوم ولا في هذا الجيل، وإنما نجم مع شعر المتنبي من قرابة ألف عام.
على أن هذه المسألة لا يتهيأ حلها قبل الاتفاق على جواب هذه المسألة: ما الأدب؟ ثم ما الشعر؟
Unknown page