331

ولا أحب أن أطيل عليكم، فقد جلسنا للغداء فإذا حمل «قوزي» محمر لم تقربه النار، بل لقد طمره اللئيم في الرمل حتى نضج وتورد بحرارة الشمس، ووالله! وما لكم علي يمين! إن شرائح لحمه ما تكاد تقترب منها الأنامل حتى تزحف هي إليها زحفا، فإذا انحدر اللحم إلى الحلق تحلل فيه وسال من نفسه، ما أعوزه قضم ولا هرس، ولا جهدت في علاجه سن ولا ضرس!

ويأذن الله أن ترفع أنقاض هذا الحمل، فإذا ديك رومي قد حشي بالسمان المحشو بالبرغل، أما فرشه فالرز الأحمر، فيه البندق والجوز والزبيب والصنوبر.

وهنا ترى «البطل» المسكين وقد جحظت عيناه، واتسعت حدقتاه، واحتقن وجهه، وانتفخت أوداجه، وسال لعابه، وأصبح شدقه كالطبل المشدود، وترى له إلى هذا اختلاجا عصبيا، هل رأيت النمر وقد تهيأ للافتراس، وكشف عن الأنياب والأضراس؟!

ثم يدخل بك «البطل» في باب السمك، حتى إذا خض بك لجج البحار، وأراك القروص وموسى والمرجان والبوري والوقار، عطف بك على قسم الخضر حتى أتى على جميع أسواق الخضار! فإذا شاء الرحمن وبلغ الركب غاية السفر في هذه الرحلة، فوصل سالما إلى صفحة الخبيزة أو الرجلة، انعطف بالجماعة إلى معرض الحلوى، فعنده للحلوى معرض لا يتسع لمساحته التصور ولا يرتقي إلى حلاوته الخيال.

ثم يتحول بك إلى قسم الفاكهة، وهنا يتجلى تواضعه فلا يعرض عليك إلا عشرة ألوان أو اثني عشر لونا مما صف على مائدته في غدائه، ولقد تسأل عن هذا الزهد والإقلال، فيكون الجواب الحاضر: «بقي كلام في سرك! أخوك مالوش تقل على الفاكهة!» •••

ولقد يعد لك خمسين أو ستين صحفة من صحاف اللحم والطير، والسمك والخصر، والحلوى، وهي جملة ما تغدى به في يومه، ومع هذا لا يفوته أن يقف على رأس كل صحفة، فيصف لك كيف طبخت وكيف طهيت، وكيف قليت وكيف شويت، وبماذا تبلت وبماذا حشيت، وماذا عولجت به من فنون الصنع، حتى تم لها كل هذا البدع! - هذا أيها الإخوان، هو السر في إيثاري «الكازوزة»، ألست معذورا؟

فيجيبه الجميع: معذور، والله ألف معذور!

ولعل خبيثا ممن لا يحبون الصدق، ولا يستريحون إلى كلمة الحق، يقول له: والله يا أخي لو شربت مع هذا الخواجة «إسباتس» كله لكنت معذورا.

فيكون الرد: «مش كده ولا إيه؟ ليلتكم سعيدة لأن عندي ميعادا مهما!» •••

وينصرف «البطل» لعله يلقى بعض الأقوام، فيفتح لهواتهم بالحديث فيما أصاب في غدائه من ألوان الطعام! ...

Unknown page