313

وإنك لتراه خارجا من محكمة الأزبكية، مسرعا يطلب محكمة مصر الكلية، ثم ينكفئ منها إلى المحكمة الشرعية، فإذا كانت الساعة الحادية عشرة، «استقل» قطار «بورسعيد» إلى محكمة بنها، فإذا يسر الله ونظرت قضيته أو قضاياه سريعا أدرك القطار المفتخر ليحضر قضاياه في طنطا، «والبركة» في المحامين في حضور باقي المحاكم لتولي سائر قضايا اليوم، هذا رزقه في «الماتينيه»، أما في «السواريه» فهو من الساعة الثالثة بعد الظهر مغذ في طلب مكاتب المحامين: أهليين وشرعيين ومختلطين، فيظل يحاورهم ويناقشهم في قضايا الغد حتى يفرغ منهم أو يفرغوا منه بانقضاء المواعيد، ثم يمضي ومن خلفه غلاماه يحملان خريطتين مشحونتين بالأوراق، فيطلب أحد المقاهي الهادئة، فيستوي في ركن منه إلى منضدة، ويقبل على أوراقه يهيئ دفعا فرعيا في هذه القضية، وقضية استرداد لهذا الحجز، وطلب رد لهذا القاضي، وإشكالا في هذا الحكم، ودفعا بعدم اختصاص تلك المحكمة إلخ إلخ إلخ.

وأنت في هذا كله لا تراه إلا طربا طرب العقاد حتى حين يسيل في «تقاسيمه» فيستثير المرح والإعجاب! •••

ولقد لقيته مرة في فترة العطلة القضائية، فرأيته متخاذلا لقس النفس، فقلت له: كيف حالك يا فلان؟ فقال: «زي الزفت!» قلت له: ولماذا؟ فقال: «الحالة نايمة ولا فيش شغل!»

وصادفته في القطار يوما في طريقي إلى «بورسعيد»، فلما جزنا محطة منيا القمح، وقعت عينه على محكمتها «الجميلة» الواقعة على بحر مويس، فسألني عن ذلك البناء، فقلت له: إنه المحكمة الأهلية، فتغزل في موقعها قليلا ثم قال «والله الواحد حقه يشتري له هنا قد فدان ولا نصف فدان»، فقلت له: «وما حاجتك إلى هذا ولك في بلدك مئات الفدادين؟» فقال: «علشان الواحد يبقى ييجي ويتسلى بكام قضية هنا!» •••

هذا رجل، وهذا غرام، وتلك ثروة، فسبحان من قسم العقول، وسبحان من قسم الحظوظ!

ناظر وقف جده ...!

أقسم لكم، يا معشر القراء، بالله العظيم، وبنبيه الكريم، وبحق زمزم والحطيم، أن هذا الذي أرويه لكم حق يقين، لم تشبه مبالغة، ولا تداخله تندر، ولا عولج من التخييل، بكثير ولا قليل!

وقعت لي أمس رقعة زيارة (كارت فيزيت)، وقد طبع عليها:

فلان الفلاني

ناظر وقف جده

Unknown page