279

سيداتي، سادتي

الآن جاء دور الكلام على المرحوم إمام أفندي العبد، وهو ولا شك ممن كتبت لهم في هذا الفن البراعة والتبريز.

كان إمام «رحمه الله» زنجيا بمعنى الكلمة، (كما يقولون) لولا فصاحة لسانه، ولولا أنه ولد وعاش في مصر، ففطر على أخلاق أهلها، وأخذ بعادتهم وسائر أسبابهم، فلقد كان غليظ المشفرين ، أفطس الأنف، محمر الحدقتين، أملد العارضين، مفلفل شعر الرأس، أما لون جلده فأشد من فحمة الدجى سوادا.

وكان بعد هذا، ربعة إلى الطول، مكتنز اللحم، موفور القوة، لا أدري أين نشأ ولا كيف نشأ، إنما الذي أدريه أنه عالج الأدب، وأول ما عالج من فنونه نظم الزجل، فأجاد فيه أيما إجادة، ولكن طماحه دفع به إلى قرض الشعر، فمدح وهجا، وتغزل وفخر، وتصرف في كثير من فنون القريض، وما أحسبه بلغ في هذا جليلا.

على أنه كان جيد الإلقاء، جهير الصوت، إذا أنشد الجمهرة هز الناس ورجهم، وبعث بالتصفيق أكفهم، وأطلق بالهتاف حناجرهم، حتى إذا قرأ الناقد شعره من غده أنكر على نفسه، ما كان منه في أمسه، ولعل ذلك الأديب قد أصاب بعض الإصابة حين وصف شعر إمام بأنك تأخذه درا، وتلقيه حجرا.

وأذكر أنني كنت جالسا ذات عشية مع صديقي المرحوم حافظ بك إبراهيم فطلع علينا نفر من الشبان، فسألهم صاحبي من أين أقبلوا؟ قالوا: من حفلة المدرسة التحضيرية حيث سمعنا إماما ينشد قصيدة له لم ينظم الشعراء قط مثلها بلاغة وسحر بيان، قال فأنشدوني قالوا: وكيف لنا بحفظ شعر نسمعه لأول مرة؟ قال: فكيف عرفتم مبلغ القصيدة من البيان؟ قالوا: لأنه نال من آيات الاستجادة ومن التصفيق ما لم ينل غيره، وكانت في نفس حافظ بك ذلك اليوم لأمر ما موجدة على إمام، فقال: والله ما صفق الناس لبلاغة إمام ولا لجودة شعره، وإنما هو عبد «كان لما يعمر اللمبة كويس يقولوا له برافوا يا إمام!» فكيف بهم إذا رأوه ينشد شعرا؟

سيداتي، سادتي

قلت لكم: إن إماما كان ينشد الشعر، وإني لأحفظ له بيتين جيدين في حسن التعليل، تعليل ترهبه وانصرافه عن الزواج:

يا خليلا وأنت خير خليل

لا تلم راهبا بغير دليل

Unknown page