240

2

والدخيل، فالفن بطبعه حبس على أوليائه مهما كثر مدعوه، وعظم منتحلوه، ومهما برعت وسائلهم في التزييف والتدليس على الغافلين! وكذلك سلم بالكفايات الحق لأصحابها على طول الزمان.

وإذا كان يهولنا اليوم كثرة منتحلي فن التلحين وصنعة الغناء مما لا وزن لهم ولا كفاية، مع كثرة من يصغي إليهم ويطريهم، ويخلع كل فخم من الألقاب عليهم، فليس ذلك من أثر «الديمقراطية» الفنية كما يظن عند ابتداء النظر، بل إن ذلك واقع لأننا نعيش الآن عيشا غير طبيعي، وبعبارة أصرح؛ لأننا في ثورة اجتماعية تناولت أسبابنا جميعا، فما نرى من هذا إنما هو من الفوضى لا من الديمقراطية، والفوضى كما تعلم؛ هي استثناء وشذوذ ما له في الحياة الطبيعية قرار.

ولقد قلت في أثناء هذا الحديث: إن الإنسان لا يد له بتغيير ظواهر الطبيعة، ولكنه بلطف الحيلة يستطيع أن يخفف من أذاها، ويستخرج الخير من خلال شرورها، وكذلك يستطيع النقدة بألسنتهم وأقلامهم، أن يدلوا سواد الناس على مكان الحسن ومكان القبيح من هذا الذي نحن فيه، رفقا بأذواقهم ورحمة بهذا الفن الجميل!

المفتن أبو نواس1

ترى هل بلغ أبو نواس ما بلغ في شعراء العربية، وذهب له ما ذهب من ذكر وصيت لأنه قال في مدح الرشيد:

وأخفت أهل الشرك حتى إنه

لتخافك النطف التي لم تخلق؟

أو تراه أصاب هذا الحظ كله لأنه قال في مدح ابنه الأمين:

وإذا المطي بنا بلغن محمدا

Unknown page