سيداتي، سادتي
ليس والله أفتك بالأخلاق ولا أعصف بالآداب من شيوع مثل تلكم الأغاني الخبيثة المائعة، وخاصة على ألسنة الرجال، وإنها لحقيقة بأن تشيع في فتيانكم انخذال النفس، وتزايل الخلق، واسترخاء الطبع، وتدك مكان الرجولة فيهم دكا، وإنني بإيراد هذه المترادفات إنما أحاول أن أؤدي ما تؤديه اللفظة المقسومة لهذا المعنى؛ ولكنني أرفق بأسماعكم، وأشد إجلالا لكم من أن أحملها جناح الأثير، فتسلك جميع الدور، وتقتحم الخدور على ربات الخدور!
وليست الجناية في ترجيع مثل هذه الأغاني مقصورة على فتيانكم رجال الغد، بل إنها لواقعة أيضا على فتياتكم أمهات المستقبل، فتياتكم اللائي يفرض عليهن الوطن، إذا ما شببن وأصبحن ربات بيوت، أن ينشئن الطفل - أعني وديعته بين أيديهن - على الفضيلة، وأن لا يتعاظمهن جهد في إعداده ليكون إذا شب وكبر، رجلا تام الرجولة.
سيداتي، سادتي
إن لبلادكم آمالا عراضا في جميع نواحي الحياة، وهيهات أن تنال أيسرها مطلبا إلا على أيدي رجال صحاح البنى، متان الأخلاق، شداد النفوس صلاب الطباع.
والأمر الآن إليك أيها الشعب، فقل كلمتك، وامض في شأنك حكمك، والله موفقك وهاديك سواء السبيل.
في الأغاني المصرية1
لقد شاعت في هذه السنين مقاطيع الغناء المعروفة «بالطقاطيق»، وهي من فاتر القول وساقط الكلام، لا يرن في أذنك فيها لفظ، ولا يتشرف على نفسك منها معنى، فأما ما يجري منها على ألسنة الفتيان ، فكله خور وتكسر واستخذاء هيهات أن ينتهض معها للفتى عزم، أو يشتد له طبع، وأما ما يتصلصل منها في حلوق البنات، فكله خنى وعهر، وكله استرسال في الفتنة إلى آخر المدى، وكله تدريب على عصيان الآباء في طاعة الهوى! «أنا لما استلطف ما يهمني بابا»! وكله لا يرفع الأم عن مكان القيادة، بما يقتضيها أن تفسح في جوانب الحيل لتجمع بنتها بهواها، وتبلغها أخس مناها: «هاتي لي حبي يا نينة الليلة!»
وهنالك ما هو أوصل من هذا بالتعهر وأعرق في أبواب الفحش، مما إن صنت عينك عن قراءته، فلا سبيل إلى أن أصون أذنك عن استماعه في الملاهي، وفي الشوارع، وفي أجواف المقاهي، وفي أكسار الدور، ترجعه بنت الشريف على نبرات «البيانو»، وتوقعه بنت الوضيع على نقرات الدف.
وهذا لعمر الله شر كثير، وأي شر أبلغ من أن يطبع الأبناء على ضعف الهمة، وخذلان النفس، وخنث الطبع، وأن نطالع أنفس البنات في شباب السن، بهذه المعاني الخسيسة، وتستدرج أحلامهن إلى تلك الأغراض الوضيعة، إلى ما يجري على ألسنتهن من تهاون لأقدار الآباء، وعبث بوقار الأمهات!
Unknown page