Mujtaqad Ahl al-Sunnah wa al-Jama'at fi Asma' Allah al-Husna

Muhammad ibn Khalifa Al-Tamimi d. Unknown

Mujtaqad Ahl al-Sunnah wa al-Jama'at fi Asma' Allah al-Husna

معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى

Publisher

أضواء السلف،الرياض

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤١٩هـ/١٩٩٩م

Publisher Location

المملكة العربية السعودية

Genres

معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى تأليف: د/محمد بن خليفة التميمي المقدمة الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هاديا له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى والصفات العلى. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله الله بالهدى ودين الحق، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة وتركها على مثل البيضاء، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربه حتى أتاه اليقين من ربه، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا. أما بعد: فهذه الدراسة الثانية من سلسلة "دراسات في مباحث توحيد الأسماء والصفات وهي بعنوان: "معتقد أهل، السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى"، وقد سبقها بحمد الله وفضله الدراسة الأولى وهي بعنوان: "معتقد أهل السنة والجماعة في توحيد الأسماء والصفات"، وسيتبع ذلك بإذن الله ومشيئته الدراسات التالية: الدراسة الثالثة: "معتقد أهل السنة والجماعة في صفات الله العلى". الدراسة الرابعة: "قواعد أهل السنة والجماعة في نصوص الأسماء والصفات". الدراسة الخامسة: "مقالة التعطيل وموقف أهل السنة والجماعة منها" الدراسة السادسة: " مقالة التشبيه وموقف أهل السنة والجماعة منها"

1 / 5

وكنت قد بينت في الدراسة الأولى معتقد أهل السنة في هذا الباب على وجه الإجمال، وفي هذه الدراسة سأتناول بالبحث مسألة أسماء الله على وجه التفصيل، وقد تطرقت للمباحث المهمة المتعلقة بهذه المسألة، فبذلت طاقتي وجهدي في جمع ما تفرق منها في بطون الكتب، وحرصت على ترتيب ذلك وصياغته. وقد سرت في هذه الدراسة وفق الخطة التالية: الأولى: التمهيد: واستعرضت فيه مواقف الطوائف من أسماء الله الحسنى. ثانيا: الفصل الأول: في ثبوت الأسماء وتعيينها. وفيه أربعة مباحث: المبحث الأول: في معرفة ضابط الأسماء الحسنى. وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: أهمية معرفة ضابط الأسماء الحسنى. المطلب الثاني: تحديد ضابط الأسماء الحسنى. المطلب الثالث: في الشرط الأول للأسماء الحسنى، وهو ورود النص بذلك الاسم. المطلب الرابع: في الشرط الثاني الأسماء الحسنى، وهو أن تقتضي الأسماء المدح والثناء بنفسها. المبحث الثاني: مناهج الناس في عدد الأسماء الحسنى وفيه مطلبان: المطلب الأول: منهج القائلين بأن أسماء الله غير محصورة بعدد معين. المطلب الثاني: منهج القائلين بأن الأسماء الله محصورة بعدد معين.

1 / 6

معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى المبحث الثالث: مناهج الناس في تعيين الأسماء الحسنى. وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: منهج المعتمدين على العد الوارد في بعض روايات حديث الأسماء. المطلب الثاني: منهج المقتصرين على ما ورد بصورة الاسم. المطلب الثالث: منهج المتوسعين. المطلب الرابع: منهج المتوسطين. المبحث الرابع: جهود أهل العلم في جمع الأسماء الحسنى. وفيه ستة مطالب: المطلب الأول: نماذج لإجتهادات أهل العلم في جمع الأسماء الحسنى. المطلب الثاني: الأسماء التي ورد إطلاقها في النصوص وأدلتها ومن ذكرها من أهل العلم ومن أسقطها. المطلب الثالث: الأسماء التي لم ترد في النصوص بصورة الاسم وإنما أخذت بالاشتقاق. المطلب الرابع: الأسماء المضافة. المطلب الخامس: الأسماء المزدوجة. المطلب السادس: الأسماء التي يرجح عدم ثبوتها إما لعدم ورود النص أو لعدم صحة الإطلاق. ثالثا: الفصل الثاني: أحكام الأسماء الحسنى. وفيه أربعة مباحث:

1 / 7

المبحث الأول: أسماء الله غير مخلوقة، أو ما يعرف بمسألة "الاسم والمسمى". وفيه مدخل، ومطلبان: المدخل: في التعريف بهذه المسألة. المطلب الأول: الجانب اللغوي للمسألة. المطلب الثاني: الجانب العقدي للمسألة. المبحث الثاني: أسماء الله كلها حسنى. وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: الأدلة على كون أسماء الله كلها حسنى. المطلب الثاني: وجه الحسن في أسماء الله. المطلب الثالث: الأحكام المستفادة من كون أسماء الله حسنى. المبحث الثالث: أسماء الله الحسن أعلام وأوصاف. وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأولى: بيان معتقد أهل السنة في المسألة. المطلب الثاني: الأدلة على أن أسماء الله أعلام وأوصاف. المطلب الثالث: الأحكام المستفادة من هذه المسألة. المبحث الرابع: إحصاء أسماء الله الحسنى. وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: الحث على إحصاء أسماء الله الحسنى والمقصود بذلك. المطلب الثاني: مراتب الإحصاء. المطلب الثالث: ثمرات الإحصاء.

1 / 11

الخاتمة: في التحذير من الإلحاد في أسماء الله الحسنى وبعد: فمما لاشك فيه أن هذا الباب شأنه عظيم والزلل فيه خطير، فأرجو أن أكون قد وفقت في عرض الموضوع على الوجه المطلوب، وعملي هذا جهد بشر، والمرء يستحضر قول القائل: "إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتابا في يوم إلا قال في غدة: لو غير هذا لكان أحسن، ولو زيد كذا لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل. وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر". فأرجو ممن يقف على خلل أو خطأ في هذا الكتاب أن يبادرني النصيحة، وأسأل الله ﷿ أن يبارك هذا العمل وأن يتقبله مني، وأن يجعله عملا صالحا ولوجهه خالصا، وألا يجعل لأحد فيه شيئا، وأن ينفع به قارئيه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. د. محمد بن خليفة التميمي

1 / 12

التمهيد استعراض مواقف الطوائف من أسماء الله الحسنى إن من فضل الله ونعمته على أهل السنة أن وفقهم للعمل بكتابه وسنة رسوله صلى الله صلى، فالهداية والنور والحق إنما هي في الكتاب والسنة، فالله يقول في شأن كتابه: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ ١ وقال: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَأنا﴾ ٢ وقال تعالى: ﴿وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقّ﴾ ٣. وقال في شأن رسوله صغ: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ ٤، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾ ٥، وقال تعالى: ﴿رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ ٦. فكل إنسان لا يمكنه أن يخرج من ظلمات الجهل والشرك والكفر والشك إلى نور العلم والتوحيد والإيمان واليقين إلا بالكتاب والسنة، ففيهما بحمد الله

١ الآية ٩ من سورة الإسراء. ٢ الآية ٥٢ من سورة الشورى. ٣الآية ١ من سورة الرعد. ٤ الآية ٥٢ من سورة الشورى. ٥الآيتان ٤٥، ٤٦ من سورة الأحزاب ٦ الآية ١١ من سورة الطلاق.

1 / 8

طريق الهدى وسبيل الرشاد، وضياء النفوس وشفاء الصدور، وبصائر القلوب، والتذكرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، ومعلوم أن كل من سلك إلى الله ﷿ علما وعملا بطريق ليست مشروعة موافقة للكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة وأئمتها فلابد أن يقع في بدعة قولية أو عملية، فإن السائر إذا سار على غير الطريق المهيع فلابد أن يسلك بنيات الطريق، بخلاف الطريق المشروعة في العلم والعمل؟ فإنها أقوم طريق ليس فيها عوج، فعن عبد الله بن مسعود قال: خط رسول ﷺ خطا وخط خطوطا عن يمينه وشماله ثم قال: "هذه سبيل الله وهذه سبل، على كل سبيل منها شيطان يدعو منها، ثم قرأ ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِه﴾ ١ (ومعلوم أن الضلال والتهوك إنما استولى على كثير من المتأخرين بنبذهم كتاب الله وراء ظهورهم وإعراضهم عما بعث به الله محمدا ﷺ من البينات والهدى، وتركهم البحث عن طريقة السابقين من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، والتماسهم علم معرفة الله ممن لم يعرف الله) ولقد كان من نتاج ذلك البعد والإعراض الذي وقع فيه هؤلاء المبتدعة- إلحادهم في أسماء الله الحسنى، بنوعيه الجلي الواضح والخفي غير المباشر معاندة ومشاقة لقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَأنه سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ٣. فمسألة أسماء الله مع وضوحها وجلأنها في النصوص، مع ذلك لم تسلم

١ الآية ١٥٣ من سورة الأنعام ٢ الفتوى الحموية ص ٦. ٣ الآية ١٨٥ من سورة الأعراف.

1 / 9

أهل السنة ومخالفتهم، بل أن يعلم مقالة كل فريق على حقيقتها. ثم إن العرض لهذه الأقوال المخالفة، مع إتباع ذلك بعرض قول أهل السنة هو من باب إظهار حسن الشيء بذكر ضده، وكما قيل: "الضد يظهر حسنه الضد" و"بضدها تتميز الأشياء"، والقصد من ذلك أن يتبين للقارىء الكريم معالم معتقد أهل السنة في باب الأسماء الحسنى وما تميز واختص به من بين سائر الأقوال الأخرى، الأمر الذي يساعد على تصور وفهم ما سيعرض في هذه الدراسة من مسائل ومباحث لها صلة وعلاقة بما أظهرته تلك الطوائف من مقالات فاسدة في باب أسماء الله الحسنى. وإليك عرض تلك الأقوال المخالفة، وهي أربعة أقوال، ثم أتبعها بذكر القول الخامس وهو قول أهل السنة والجماعة: القول الأول: من يقول: إن الله لا يسمى بشيء: وهذا قول الجهمية أتباع جهم بن صفوان، والغالية من الملاحدة كالقرامطة والفلاسفة. وهؤلاء المعطلة نفاة الأسماء لهم في تعطيلهم لأسماء الله أربعة مسالك المسلك الأول: الاقتصارعلى نفي الإثباب فقالوا: لا يسقى بإثبات. المسلك الثاني: أنه لا يسمى بإثباب ولا نفي. المسلك الثالث: السكوت عن الأمرين، الإثبات والتفي. المسلك الرابع: تصويب جميع الأقوال بالرغم من تناقضها. فهم بذلك اتفقوا على إنكار الأسماء جميعا، ولكن تنوعت مسالكهم في الإنكار.

1 / 14

ا- فأصحاب المسلك الأول: اقتصروا على قولهم: بأنه ليس له اسم كالحي والعليم ونحو ذلك. وشبهتهم في ذلك: أ- أنه إذا كان له اسم من هذه الأسماء لزم أن يكون متصقا بمعنى الاسم كالحياة والعلم فإن صدق المشتق- أي الإسم كالعليم- مستلزم لصدق المشتق منه- أي الصفة كالعلم-، وذلك محال عندهم. ب- ولأنه إذا سمي بهذه الأسماء فهي مما يسمى به غيره. والله منزه عن مشابهة الغير١. (فهؤلاء المعطلة المحضة- نفاة الأسماء- يسمون من سمى الله بأسمأنه الحسنى مشبها. فيقولون: إذا قلنا حي عليم فقد شبهناه بغيره من الأحياء العالمين، وكذلك إذا قلنا هو سميع بصير فقد شبهناه بالإنسان السميع البصير، وإذا قلنا رؤوف رحيم فقد شبهناه بالنبي الرؤوف الرحيم، بل قالوا: إذا قلنا إنه موجود فقد شبهناه بسائر الموجودات لاشتراكهما في مسمى الوجوب) وهذا المسلك ينسب لجهم بن صفوان، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "جهم كان ينكر أسماء الله تعالى فلا يسميه شيئا لا حيا ولا غير ذلك إلا على سبيل المجاز"٣.

١ انظر: مجموع الفتاوى ٦/ ٣٥، ٣/١٠٠، ودرء تعارض العقل والنقل ٣/ ٣٦٧، وكتاب الصفدية ٨٨/١- ٨٩، ٩٦- ٩٧. ٢ منهاج السنة ٥٢٣/٢، ٥٢٤. ٣ مجموع الفتاوى ١٢/ ٣١١.

1 / 15

وهو كذلك قول ابن سينا وأمثاله١. ٢- وأما أصحاب المسلك الثاني: فقد زادوا في الغلو فقالوا: لا يسمى بإثباب ولا نفي، ولا يقال موجود ولا لا موجود، ولا حي ولا لا حي، لأن في الإثبات تشبيها بالموجودات، وفي النفي تشبيها له بالمعدومات، وكل ذلك تشبيه٢. والمسلك الثاني: ينسب لغلاة المعطلة من القرامطة الباطنية والمتفلسفة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فالقرامطة الذين قالوا لا يوصف بأنه حي ولا ميت، ولا عالم ولا جاهل، ولا قادر ولا عاجز، بل قالوا لا يوصف بالإيجاب ولا بالسلب، فلا يقال حي عالم ولا يقال ليس بحي عالم، ولا يقال هو عليم قدير، ولا يقال ليس بقدير عليم، ولا يقال هو متكلم مريد، ولا يقال ليس بمتكلم مريد قالوا: لأن في الإثبات تشبيها بما تثبت له هذه الصفات، وفي النفي تشبيه له بما ينفى عنه هذه الصفات"٣ ٣- وأما أصحاب المسلك الثالث فيقولون: نحن لا نقول ليس بموجود ولا معدوم ولا حي ولا ميت، فلا ننفي النقيضين، بل نسكت عن هذا وهذا، فنمتنع عن كل من المتناقضين، لا نحكم لا بهذا ولا بهذا، فلا نقول: ليس بموجود ولا معدوم، ولكن لا نقول: هو موجود، ولا نقول هو معدوم. ومن الناس من يحكي نحو هذا عن الحلاج، وحقيقة هذا القول هو الجهل

١ الصفدية ١/ ٢٩٩- ٣٠٠ ٢ مجموع الفتاوى ٦/ ٣٥، ٣/ ١٥٠. ٣ شرح العقيدة الأصفهانية ص ٧٦.

1 / 16

البسيط والكفر البسيط، الذي مضمونه الإعراض عن الإقرار بالله ومعرفته وحبه وذكره وعبادته ودعأنه١. وأصحاب المسلك الثالث هم المتجاهلة اللاأدرية. وأصحاب المسلك الثاني هم المتجاهلة الواقفة الذين يقولون لا نثبت ولا ننفي. وأصحاب المسلك الاول هم المكذبة النفاة. ٤- وهناك مسلك رابع، يقول بتصويب كل واحد من القائلين للأقوال المتناقضة، كما يقوله من يقوله من أصحاب الوحدة، كابن عربى ونحوه الذي يقول بأن كل من اعتقد في الله عقيدة فهو مصيب فيها، حتى قال: عقدالخلائق في الإله عقائدا وأنا أعتقد جميع ما عقدوه فأصحاب وحدة الوجود يعطون أسماءه سبحانه لكل شيء في الوجود، إذ كان وجود الأشياء عندهم هو عين وجوده ما ثمت فرق إلا بالإطلاق والتقييد٢ وهذا منتهى قوله طوائف المعطلة. وغاية ما عندهم في الإثبات قولهم هو (وجود مطلق) أي وجود خيالي في الذهن، أو وجود مقيد بالأمور السلبية، وقالوا: لا نقول موجود ولا معدوم، أو قالوا: هو لا موجود ولا معدوم٣. حكم القول بنفي الأسماء: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والتحقيق أن التجهم المحض- وهو نفي

١ الصفدية ١/ ٩٦- ٩٨. ٢ شرح القصيدة النونية للهراس ٢/ ١٢٦. الصفدية ١/ ٩٨- ٩٩. ٣ الصفدية ١١٦/١- ١١٧.

1 / 17

الأسماء والصفات، كما يحكى عن جهم والغالية من الملاحدة ونحوهم، من نفي الأسماء الحسنى- كفر بين مخالف لما علم بالاضطرار من دين الرسول ﷺ"١. القول الثاني: إن الله يسمى بالخالق القادر فقط: وهذا القول منسوب كذلك للجهم بن صفوان. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "كان الجهم وأمثاله يقولون: إن الله ليس بشي، وروي عنه أنه قال: لا يسمى باسم يسمى به الخلق فلم يسمه إلا بالخالق القادر، لأنه كان جبريا يرى أن العبد لا قدرة له٢ وقال أيضا: "ؤلهذا نقلوا عن جهم أنه لا يسمي الله بشيء، ونقلوا عنه أنه لا يسميه باسم من الأسماء التي يسمي بها الخلق: كالحي، والعالم، والسميع، والبصير، بل يسميه قادرا خالقا لأن العبد عنده ليس بقادر، إذ كان هؤ رأس الجهمية الجبرية"٣ القول الثالث: إثبات الأسماء مجردة عن الصفات: وهذا قول المعتزلة، فهم يجمعون على تسمية الله بالاسم ونفي الصفة عنه، يقول ابن المرتضى المعتزلي: "فقد أجمعت المعتزلة على أن للعالم محدثا قديما قادرا عالما حيا لآلمعان.."٤.

١ النبوات ص ١٩٨. ٢ منهاج السنة ٢/ ٥٢٦- ٥٢٧، وانظر الأنساب للسمعاني ٢/ ١٣٣. ٣ درء تعارض العقل والنقل ٥/ ١٨٧، مجموع الفتاوى ٨/ ٥ ٤٦. ٤ كتاب باب ذكر المعتزلة من كتاب المنية والأمل، في شرح كتاب الملل والنحل لأحمد بن يحيى بن المرتضى ص ٦، ط: دار صادر بيروت، شرح الأصول الخمسة ص ١٥١ للقاضي عبد الجبار، مقالات الإسلاميين ص ١٦٤- ١٦٥.

1 / 18

ولهم في ذلك الئفي مسلكان: المسلك الأول: من جعل الأسماء كالأعلام المحضة المترادفة١ التي لم توضع لمسماها باعتبار معنى قائم به. فهم بذلك ينظرون إلى هذه الأسماء على أنها أعلام خالصة لا تدل على صفة، و(المحضة): الخالصة الخالية من الدلالة على شيء آخر، فهم يقولون: إن العليم والخبير والسميع ونحو ذلك على لم دالة ليست دالة على أوصاف، وهي بالنسبة إلى دلالتها على ذات واحدة هي: مترادفة، وذلك مثل تسميتك ذاتا واحدة ب"زيد - وعمرو- ومحمد – وعلي"، فهذه الأسماء مترادفة وهي أعلام خالصة لا تدل على صفة لهذه الذات المسماة بها٢ المسلك الثاني: من يقول منهم: إن كل علم منها مستقل، فالله يسمى عليما وقديرا، وليست هذه الأسماء مترادفة، ولكن ليس معنى ذلك أن هناك حياة أو قدرة٣ ولذلك يقولون: عليم بلا علم، قدير بلا قدرة، سميع بلا سمع، بصير بلا بصر. وقول المعتزلة وإن كان دون قول الجهمية، لكنه عظيم أيضا٤

١ المترادفة: أي اختلفت في ألفاظها واتحدت في مدلولها (فالرحمن والقدير والعزيز) اختلفت في ألفاظها واتحدت في دلالتها على مسمى الله. فأسماء الله الحسنى كلها متفقة في الدلالة على نفسه المقدسة، ثم كل اسم يدل على معنى من صفاته ليس هو المعنى الذي دل عليه الاسم الآخر. انظر: كتاب الإيمان لابن تيمية ص ١٧٥. ٢ التحفة المهدية شرح الرسالة التدمرتة ١/ ٤٦. ٣ التحفة المهدية شرح الرسالة التدمرتة ١/ ٤٦. ٤ النبوات ص ١٩٨.

1 / 19

قال أبو الحسن الأشعري: "وزعمت الجهمية- يعني المعتزلة- أن الله عر وجل لا علم له ولا قدرة ولا حياة ولا سمع ولا بصر له وأرادوا أن ينفوا أن الله عالم قادر حي سميع بصير، فمنعهم خوف السيف من إظهارهم نفي ذلك، فأتوا بمعناه لأنهم إذا قالوا: لا علم لله ولا قدرة له، فقد قالوا: إنه ليس بعالم ولا قادر، ووجب ذلك عليهم، وهذا إنما أخذوه عن أهل الزندقة والتعطيل لأن الزنادقة قال كثير منهم: إن الله ليس بعالم ولا قادر ولا حي ولا سميع ولا بصير، فلم تقدر المعتزلة أن تفصح بذلك، فأتت بمعناه، وقالت: إن الله عالم قادر حي سميع بصير من طريق التسمية من غير أن يثبتوا له حقيقة العلم والقدرة والسمع والبصر"١ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن المعتزلة لما رأوا الجهمية قد نفوا أسماء الله الحسنى استعظموا ذلك لما فيه من تكذيب القرآن تكذيبا ظاهر الخروج عن العقل، فأقروا بالأسماء ونفوا الصفات، فصاروا هم كذلك متناقضين، فإن إثبات حي عليم قدير حكيم سميع بصير، بلا حياة، ولا علم، ولا قدرة، ولا حكمة، ولا سمع، ولابصر، مكابرة للعقل كإثبات مصل بلا صلاة، وصائم بلا صيام، وقائم بلا قيام، ونحو ذلك من الأسماء المشتقة كأسماء الفاعلين والصفات المعدولة عنها"٢. وقد ضم المعتزلة إلى بدعتهم هذه بدعا أخرى منها: ١- قولهم بأن أسماء الله مخلوقة٣.

١ الإبانة عن أصول الديانة ص ١٠٧- ١٠٨، الناشر: مكتبة دار البيان ٢ النبوات ص ٦٣- ٦٤ (بتصرف) . ٣ لوامع الأنوار البهية ١/ ١٢٢.

1 / 20

٢- قول بعضهم بأن أسماء الله ليست توقيفية١ أما قولهم بأن أسماء الله مخلوقة، فلأنهم يقولون: الاسم غير المسمى، وأسماء الله غيره، وما كان غيره فهو مخلوق. ويقولون: إن كلام الله مخلوقا، وأسماؤه مخلوقة، وهو نفسه لم يتكلم بكلام يقوم بذاته ولا سمى نفسه باسم هو المتكلم به، بل قد يقولون: إنه تكلم به، وسمى نفسه بهذه الأسماء بمعنى أنه خلقها في غيره لا بمعنى أنه نفسه تكلم بها كلام القائم به. فالقول في أسمأنه هو نوع من القول في كلامه. وقد ذم السلف المعتزلة بقولهم هذا، وغلظوا فيهم القول لأن أسماء الله من كلامه وكلام الله غير مخلوق، بل هو المتكلم به، وهو المسمى لنفسه بما فيه من الأسماء. ولهذا يروى عن الشافعي والأصمعى وغيرهما أنه قال: إذا سمعت الرجل يقول: الاسم غير المسمى فاشهد عليه بالزندقة٢ وقال الإمام أحمد: "من قال: أسماء الله تعالى مخلوقة فقد كقر"٣. وأما بدعتهم الثالثة في أسماء الله: فهي قولهم بأن أسماء الله غيرتوقيفية. فقد نقل البغدادي عن المعتزلة البصرية أنهم أجازوا إطلاق الأسماء على الله بالقياس٤ وقال أبو الحسن الأشعري: "واختلفت المعتزلة هل يجوز أن يسمى

١ لوامع الأنوار البهية ١/ ١٢٥. ٢ انظر: مجموع الفتاوى ٦/ ٨٥ ١- ٨٧ ١ (باختصار) . ٣ لوامع الأنوار البهية ١/ ١٩ ١، طبقات الحنابلة ٢/ ١٩٩. ٤ الفرق بين الفرق ص ٣٣٧.

1 / 21

البارئ عالما من استدل على أنه عالم بظهور أفعاله عليه وإن لم يأته السمع من قبل الله سبحانه بأن يسميه بهذا الاسم أم لا؟ على مقالتين: فزعمت الفرقة الأولى منهم أنه جائز أن يسمى الله سبحانه عالما قادرا حيا سميعا بصيرا من استدل على معنى ذلك أنه يليق بالله وإن لم يأت به رسول. وزعمت الفرقة الثانية أنه لا يجوز أن. يسمى الله سبحانه بهذه الأسماء من دله العقل على معناها، إلا أن يأتيه بذلك، رسول من قبل الله سبحانه يأمره بتسميته بهذه الأسماء"١ موافقة ابن حزم للمعتزلة في مسألة نفي معاني الأسماء: هذا القول بإثبات الأسماء ونفي الصفات به أيضا بعض متكلمة الظاهرية٢ كابن حزم الذي قال: "إن أسماءه الحسنى كالحي والعليم والقدير بمنزلة أسماء الأعلام التي لا تدل على حياة ولا علم ولا قدرة، وقال: لا فرق بين الحي وبين العليم وبين القدير في المعنى أصلا"٣. وهذا القول لابن حزم وأمثاله من الظاهرية في باب الصفات هو بعينه مسلك المعتزلة في الصفات كما سبق وأن بيناه. ومثل هذه المقالات إنما هي في الحقيقة سفسطة في العقليات وقرمطة في، السمعيات، وسيأتي تفصيل الرد عليها في ثنايا الدراسة بإذن الله.

١ مقالات الإسلاميين ص ١٩٧. ٢ إمام الظاهرية: "داود الظاهري "، وأكابر أصحابه كانوا من المثبتين للصفات على مذهب أهل السنة والحديث، ولكن من أصحابه طائفة سلكت مسلك المعتزلة ووافقوهم في مسائل الصفات، وإن خالفوهم في القدر والوعيد. شرح الأصفهانية ص ٧٧- ٧٨. ٣ شرح الأصفهانية ص ٧٦. والفصل ٢/ ١٦١.

1 / 22

القول الرابع: إثبات الأسماء الحسنى مع إثبات مكاني بعضها وتحريف معاني البعض الأخر: وهذا قول الكلابية والأشاعرة والماتريدية ومن وافقهم. ورأيهم في هذه المسألة مبني على قولهم في صفات الله تعالى. فالكلابية وقدماء الأشاعرة ينفون الصفات الاختيارية وبالتالي لا يثبتون معاني الأسماء التي اشتقت من الصفات الاختيارية على الوجه الصحيح. وأما المتأخرون من الأشاعرة ومعهم الماتريدية، فإنهم لا يثبتون من الصفات سوى سبع صفاب هي: (العلم، القدرة، الحياة، الجمع، البصر، الإرادة، الكلام)، ويزيد بعض الماتريدية صفة ثامنة هي (التكوين) ١ فالاسم عندهم إن دل على ما أثبتوه من الصفات، أثبتوا ما دل عليه من المعنى، وإن كان دالا على خلاف ما أثبتوه صرفوه عن حقيقته وحرفوا معناه. ومعلوم أنه لم يرد في باب الأسماء من تلك الصفات التي ذكروها إلا خمسة فقط، وهي: (العليم) و(القدير) و(الحي) و(السميع) و(البصير) فهذه الخمسة يثبتون معانيها وإن كان هناك من يرجع صفتي (السمع) و(البصر) إلى (العلم)، ولكن جمهورهم على خلاف ذلك٢

١ انظر: تحفة المريد ص ٦٣، وإشارات المرام ص ١٥٧- ١١٤، وكتاب "الماتريدية دراسة وتقويم" ص ٢٣٩، وكتاب "الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات " ٢/ ٤٣٠، ورسالة "منهج أهل السنة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله " لخالد عبد اللطيف ص ٤٠١. ٢ انظر: لباب العقول للمكلاتي ص ٢١٣، ٢١٤، شرح الأصفهانية ص ٤٤٥، والمسايرة لابن الهمام ص ٦٧، وكتاب "الماتريدية دراسة وتقويم " ص ٢٦٤، وكتاب "الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات " ٢/ ٤٣١، ورسالة "منهج أهل السنة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله " ص ٤٩٠

1 / 23

وأما بقية الأسماء التي لا تتقق مع ما أثبتوه من الصفات، فإنهم لايثبتون مادلت عليه من المعاني، بل يحرفونها كتحريفهم لمعنى (الرحمة) في اسمه (الرحمن) إلى (إرادة الثواب، أو إرادة الإنعام) و(الود) في (الودود) ب (إرادة إيصال الخير) ومن المخالفات التي وقع فيها بعض هؤلاء بالإضافة إلى ما تقدم: ١- قولهم بأن في الأسماء الله غير مشتق. ٢- قول بعضهم بأن أسماء الله ليست توقيفية. ٣- مسألة الاسم والمسمى. وأما بالنسبة لما يتعلق بالمسألة الأولى، فإن بعض الأشاعرة يقسمون الأسماء إلى قسمين: القسم الأول: أسماء مشتقة. القسم الثاني: أسماء غير مشتقة. قال البغدادي: "جملة أسمأنه قسمان لا مشتق وغير مشتق"٢. فيجعلون اسم "الله" غير مشتق أي لا يدل على معنى فيعاملونه معاملة الأسماء الجامدة، وهذا مخالفة لمذهب أهل السنة الذين يعتقدون بأن أسماء الله جميعها متصفة لمعاني وليس فيها اسم جامد لا يدل على معنى. وأما المسألة الثانية وهي كون أسماء الله توقيفية. فإن الماتريدية وجمهور الأشاعرة يوافقون أهل السنة في هذه المسألة،

١ شرح الأسماء الحسنى للرازي ص ٢٨٧. ٢ أصول الدين للبغدادي ص ١١٨.

1 / 24

ولكن القاضي الباقلاني من الأشاعرة لا يشترط أن يكون توقيف من الكتاب والسنة في أسماء الله، واشترط أمرين: ا- أن يدل على معنى ثابت لله تعالى. ٢- ألا يكون إطلاقه موهما لما لا يليق بالله تعالى١ وتوقف الجويني في هذه المسألة٢ وأما المسألة الثالثة وهي مسألة الاسم والمسمى: فإن قول الأشاعرة والماتريدية فيها واحد، فهم يقولون: "الاسم عين المسمى"٣ وحقيقة هذه العبارة عندهم أن المسمى- أي "الله" - غير مخلوق، وأما التسميات فهي مخلوقة. فهم وافقوا الجهمية والمعتزلة في المعنى، وإن أظهروا أنهم موافقون لأهل السنة في اللفظ بقولهم: "إن أسماء الله غير مخلوقة". ومرادهم بذلك أن الله غير مخلوق. وهذا مما لا تنازع فيه الجهمية والمعتزلة٤ وسيأتي تفصيل قولهم في المسألة في مبحث الاسم والمسمى.

١ شرح المقاصد للتفتازاني ٤/ ٣٤٤، ٣٤٥، لوامع الأنوار للسفاريني ١/ ١٢٤. ٢ الإرشادص ١٣٦- ١٣٧. ٣ أصول الدين للبغدادي ص ١١٤، ١١٥، وتبصرة الأدلة ص ١٩٨. ٤ مجموع الفتاوى ٦/ ١٩٥- ١٩٦.

1 / 25

القول الخامس: إثبات الأسماء الحسنى مع إثبات معانيها جميعا وإثبات ما يتعلق بها من الحكام والمقتضيات: وهذا قول أهل السنة والجماعة، واعتقادهم يمكن إجماله في النقاط التالية: ١- الإيمان بثبوت الأسماء الحسنى الواردة في القرآن والسنة من غير زيادة ولا نقصان. ٢- الإيمان بأن الله هو الذي يسمي نفسه، ولا يسميه أحد من خلقه، فالله ﷿ هو الذي تكلم بهذه الأسماء، وأسماؤه منه، وليست محدثة مخلوقة كما يزعم الجهمية والمعتزلة والكلابية والأشاعرة والماتريدية. ٣- الإيمان بأن هذه الأسماء دالة على معاني في غاية الكمال، فهي أعلام وأوصاف، وليست كالأعلام الجامدة التي لم توضع باعتبار معناها، كما يزعم المعتزلة. ٤- احترام معاني تلك الأسماء وحفظ مالها من حرمة في هذا الجانب وعدم التعرض لتلك المعاني بالتحريف والتعطيل كما هو شأن أهل الكلام. ٥- الإيمان بما تقتضيه تلك الأسماء من الآثار وما ترتب عليها من الأحكام. وبالجملة فإن أهل السنة يؤمنون بأسماء الله إيمانا صحيحا وفق ما أمرت به نصوص القرآن والسنة ووفق ما كان عليه فهم سلف الأمة، بخلاف أهل الباطل الذين أنكروا ذلك وعطلوه، فألحدوا في أسماء الله إلحادا كليا أو جزئيا، كما سبق وأن بيناه خلال عرض الأقوال الأربعة السابقة وفي العموم فإن فصولا الدراسة التي بين يديك، ستوضح لك بإذن الله

1 / 26