لدينا من أخبارهم، قيل لهم: فأنى سمعتم بأخبارهم وبلغتكم مقالاتهم، ولم تسمعوا بخبر ما ظهر من تلك الدلائل على أيديهم؟ ولم يبلغكم شيء من جميع ما كان من ذلك، وهذا كله قد وصل إلى الناس وإليكم وصولا واحدا، وجاءكم الخبر بجميعه مجيئا متصلا، وقد استفاض في أخبار الناس، واشتهر في أحاديثهم، ورسخ في قلوبهم أحاديث القرون الأولى، والأمم الخالية، وما كان من رسلهم إليهم كعاد وثمود، وفرعون ذي الأوتاد، والنمرود وأشياعهم، وما جاء من إهلاكهم وتدميرهم على أيدي رسلهم، نطق بذلك الخطباء والشعراء في الجاهلية وفي الإسلام، وفي قديم الدهر وحديثه، ولو تتبعنا ذلك لكان هو الكتاب وحده، وقد بعث الله موسى _صلى الله على محمد_، وعلى موسى، وعلى جميع المرسلين، والغالب على الناس إذ ذاك أمر السحر (¬1) ،
¬__________
(¬1) - سحر: السحر: طرف الحلقوم والرئة، وقيل انتفخ سحره، وقيل منه اشتق السحر، وهو أصابه السحر، والسحر يقال على معان: الأول: الخداع وتخييلات لا حقيقة لها، نحو ما يفعله المستعبد بصرف الأبصار عما يفعله لخفة يده، وما يفعله النمام بقول مزخرف عائق للأسماع، وعلى ذلك قول الله تعالى: {سحروا أعين الناس واسترهبوهم} (سورة الأعراف:116)، وبهذا النظر سموا موسى عليه السلام ساحرا، قال تعالى: {يا أيها الساحر أدع لنا ربك} (سورة الزخرف:49) رواية عن كلامهم.
والثاني: استجلاب معاونة الشيطان بضرب من التقرب إليه، كقوله تعالى: {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم} (سورة الشعراء:222)، وهناك أنواع أخرى لا داعي لذكرها، وبالله التوفيق.
Page 53