فإن قالوا: ليست العلة ذلك، ولكن العلة أن يكون الجسم يحتمل الزيادة والنقصان والفناء والبطلان، قلنا: وما جعل بعضها أحق بذلك من بعض؟ وكلها متساوية في الصفات، متفقة في العلل، وهل احتمل الجسم الزيادة أو النقصان والفناء والبطلان إلا لأنه جسم محدود، متناه، ذو طول، وعرض، وعمق، وحركة، وسكون، أم لأمر غير ذلك؟ فإن كان ذلك للذي وصفنا فالأمر كما ذكرنا، وإن كان لغير أنه محدود ذو حركة وسكون، واحتمال التنصيف والتصريف، فما العلة التي لها احتمل الفناء، والبطلان والزيادة والنقصان، فإن قالوا: إنما يعتريه ذلك لأنه متناهي القوة، قلنا: ولم تتناه قوته إلا لتناهي جسمه، أو ليس إذا استوت الأعمال واتفقت الصفات في وجوه الخاص (¬1) والعام (¬2) ، فذلك الذي يوجب التسوية في الحكم؟ فإن قالوا: إنما قلنا جسم لأنه فاعل، والفاعل لا يكون إلا جسما، قلنا: قد أخطأتم وجه القياس (¬3) ،
¬__________
(¬1) الخاص: عند الأصوليين كل لفظ وضع لمعنى معلوم على الانفراد، والمراد بالمعنى ما وضع له اللفظ عينا كان أو عرضا، والمقصود بالانفراد اختصاص اللفظ بذلك المعنى.
والخاص: نقيض العلم، وهو ما يشمل نوعا واحدا أو فردا واحدا.
(¬2) العام في اللغة: الشامل، يقال مطر عام وتعليم عام، وفي تعريفات الجرجاني: العام لفظ وضع وضعا واحدا لكثير غير محصور، مستغرق جميع ما يصلح له.
(¬3) القياس عند المناطقة: هو المركب من قضايا، يستلزم لذاته قولا آخر، وينقسم إلى الاقتراني: وهو ما كان مشتملا على النتيجة أو نقيضها بالقوة نحو: العالم متغير، وكل متغير حادث.
والاستثنائي: هو المعروف بالشرط لكونه مركبا من قضايا شرطية، وهو المشتمل على النتيجة أو نقيضها بالفعل نحو: ((لو كان النهار موجودا لكانت الشمس طالعة، ولو لم يكن النهار موجودا لما كانت الشمس طالعة)).
وقياس الخلف: وهو إثبات المطلوب بإبطال نقيضه لقولنا: شريك الباري غير موجود لأنه لو وجد إما أن يكون واجبا ممكنا، والأول باطل، ولا يلزم تعدد الواجب، وكذا الثاني.
Page 162