وأما قوله عز وجل: {ثم استوى} (¬1) فإن -ثم- قد يكون على الاستئناف وعلى غير الاستئناف، وإنما أراد بقوله: {ثم استوى على العرش} أي هو مع خلقه السموات والأرض قد استوى على العرش، ولم يرد أن ذلك شيء بعد شيء وقد قال: {أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة ثم كان من الذين آمنوا} (¬2) ، ولم يرد أنه فعل ما فعل، ثم كان بعد فعله من الذين آمنوا، وقال عز وجل: {ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا} (¬3) فلو أراد بذلك الاستئناف لكان يجب أن يكون الله تعالى مستأنفا لعلم ما قد علم من ذلك، وأما قوله: {ثم استوى إلى السماء وهي دخان} (¬4) فكيف يتهيأ الاستواء على الدخان إذا كان ذلك على ما يتوهمه المشبهة من الحلول؟ وكذلك قوله: {على العرش استوى} (¬5) ، ولو كان ذلك ما يتوهمونه من الاستواء بعد الاعوجاج (¬6)
¬__________
(¬1) سورة الأعراف آية رقم 54.
(¬2) سورة البلد آية رقم 14، 15، 16، 17، وقد جاء في المطبوعة أنها آية 18 وهو خطأ.
(¬3) سورة مريم آية رقم 70.
(¬4) سورة فصلت آية رقم 11.
(¬5) سورة طه آية رقم 5، وقد جاءت في المطبوعة على أنها سورة الأعراف 54 وهو خطأ.
(¬6) يقول الإمام ابن كثير: نسلك في هذا المقام مذهب مالك، والأوزاعي، والثوري، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم من أئمة المسلمين قديما وحديثا، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل، والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله، فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير، بل الأمر كما قال الأئمة؛ منهم نعيم بن حماد الخزاعي -شيخ البخاري- قال: من شبه الله بخلقه كفر..
Page 131