قرر بعض الوزراء والعلماء خلع السلطان محمد خان الرابع تفاديا من ثورات الإنكشارية، فخلع في 8 تشرين الثاني سنة 1687، وانتخبوا مكانه أخاه السلطان سليمان الثاني، وامتطى منصة الملك إلى 23 حزيران سنة 1691 حين أنشبت فيه المنية مخاليبها، وارتقى إلى العرش بعده أخوه السلطان أحمد خان الثاني، ومما كان بسورية في أيامه أنه ولى على أطرابلس سنة 1691 محمد باشا، فرد المشائخ الحمادية إلى إقطاعاتهم فسلم جبيل والبترون إلى الشيخ حسين سرحال حمادة والكورة إلى ابنه الشيخ إسماعيل، وجبة بشري إلى الحاج موسى بن أحمد حمادة والضنية إلى أولاد حسن ديب ... فلم يرعووا عن سوء مسلكهم، وقتلوا أبا موسى بن زعرور في وطا الجوز بكسروان، وحنا الأسود في الكورة، ونهبوا العاقورة وغلال أهل كسروان من مينا جبيل، وفي سنة 1692 نقل محمد باشا من أطرابلس، وصار كاتبا للصدر الأعظم وخلفه في أطرابس علي باشا وسموه اللقيس؛ لأنه قدم في آخر السنة، وقرر أولا الحمادية في إقطاعاتهم، ثم كتب إليه سالفه محمد باشا أن ينهض عليهم ... فغير الحكام وسلم عكار والهرمل إلى هزيمة أغا دندش، وجبيل إلى حسين أغا الحسامي، والبترون إلى المقدم قيدبية بن الشاعر، والزاوية وجبة بشري إلى الشيخ مخائيل بن نحلوس الأهدني، والضنية إلى الشيخ أبي فاضل رعد، وكتب إلى الأمير أحمد معن أن ينجده بالرجال لقتال الحمادية، فقدم المشائخ الخوازنة ومعهم نحو ألف رجل إلى فوق جبيل، فانهزم الحمادية على طريق العاقورة إلى بعلبك، فتبعهم الرجال وهلك منهم بالثلج نحو مائة وخمسين رجلا، وحرق علي باشا قرية نيجا ونهب ثلاثة عشر ألف رأس من معزي الحمادية، وسلم بلاد بعلبك إلى أحمد أغا الكردي، وجبيل إلى حسن أغا النوري، فكتب حاكم بعلبك إلى الحاج ياغي بن حميه وأقربائه المتاولة أن يحضروا لديه، فحضروا وقتل منهم سبعة عشر رجلا، وأرسل الحاج ياغي المذكور وولده إلى علي باشا فقتلهما ، ثم جهز علي باشا بعض خواصه وأرسلهم إلى بلاد جبيل، فقبضوا على الشيخ حسين بن سرحال وحسن ديب وسبعة رجال من تباعهم، فقتلوهم بين قهمز ولاسا.
وفي سنة 1693 رقى السلطان علي باشا والي أطرابلس إلى منصب الصدارة، وأقام مكان أرسلان باشا بن المطرجي واليا على أطرابلس، فعرض على الأمير أحمد معن أن يوليه إقطاعات الحمادية، فلم يقبل فسلم جبيل إلى الأمير حسن بن صعب الكردي والبترون إلى المقدم قيدبية بن الشاعر، وأرسل مدبره محرم أغا يطرد الحمادية، ووصلوا إلى قبعل بالفتوح فوثب عليهم ليلا أولاد الشيخ حسين حمادة الذين كانوا مختبئين هناك، ومعهم نحو مائتي رجل فقتلوا من العسكر نحو أربعين رجلا، وطردوا الباقين إلى نهر إبراهيم، فرفع أرسلان باشا والي أطرابلس الشكوى بأن الأمير أحمد معن وجه عسكرا فأهلك رجاله، فصدر له الأمر بأن يزيل الأمير أحمد عن الإقطاعات التي بيده، وهي الشوف وما يليه إلى كسروان وإقليما جزين والتفاح، وأن يولي عليها الأمير موسى علم الدين، وصدر الأمر إلى ولاة دمشق وصيدا وغزة وحلب أن يعاونوا والي أطرابلس على إزاحة الأمير أحمد معن عن الأعمال اللبنانية، فاجتمع هؤلاء الولاة بالبقاع وعسكرهم نحو ثمانية عشر ألف مقاتل، وضوى إليهم اليمنية وبعض القيسية، وانفض عن الأمير أحمد بعض أصحابه ففر إلى وادي التيم، واختبأ عند الأمير نجم شهاب وبحثت عنه العساكر فلم يجدوه، فانفض الولاة كل إلى مكانه وتولى الأمير موسى علم الدين بلاد الأمير أحمد، ولما ركدت هذه الزعازع تظاهر الأمير أحمد بوادي التيم، واجتمع إليه القيسية فنهض بهم إلى الشوف ومعه الأميران بشير ونجم الشهابيان، فانهزم الأمير موسى من دير القمر إلى صيدا، واسترد الأمير أحمد بلاده وتمكن من أن جعل مصطفى باشا والي صيدا يطرد الأمير موسى علم الدين من عنده، وأن يلتمس من السلطان العفو عن الأمير أحمد فناله وتقرر في إقطاعاته. (7) في ما كان بسورية في أيام السلطان مصطفى خان الثاني
قد توفي السلطان أحمد الثاني في 6 شباط سنة 1695، وخلفه يوم وفاته السلطان مصطفى خان الثاني ابن السلطان محمد الرابع، ومما كان في أيامه بسورية أن الأمير أحمد معن توفي في 15 أيلول سنة 1697 بدير القمر، ولم يكن له عقب فانقرضت به سلالة آل معن، واجتمع أعيان الشوف بعد وفاته؛ لينتخبوا لهم واليا واتفقوا على اختيار الأمير بشير الشهابي أمير راشيا، وهو ابن أخت الأمير أحمد المتوفى، وكتبوا إلى حسين باشا والي صيدا يسألونه أن يحول إقطاعات الأمراء المعنيين إلى عهدة الأمير بشير الشهابي المذكور، وهو يقوم بدفع ما عليها من المال، فولى حسن باشا الأمير بشيرا وعرض للسلطان مصطفى أن أسرة المعنيين انقرضت، وأن اللبنانيين اختاروا الأمير بشير الشهابي؛ لأنه ابن أخت الأمير أحمد آخر المعنيين، وعرض اليمنيون أنهم لا يقبلون ولاية الأمير بشير الشهابي، وعزل حينئذ حسين باشا وخلفه أرسلان باشا، فورد له الجواب أن الأمير حيدر موسى شهاب هو أحق بأن يرث الولاية على إقطاع آل معن ومتروكاتهم؛ لكونه ابن بنت الأمير أحمد آخرهم، فأرسل أرسلان باشا هذا الجواب إلى الأمير بشير، فأجابه ملتمسا أن يعرض لجلالة السلطان أن الأمير حيدر عمره اثنتا عشرة سنة، فلا يمكنه أن يلي الحكومة بنفسه، فهو يكون نائبا عنه ... وبعد عرض ذلك كان الجواب أن يكون الأمير بشير واليا بطريق النيابة عن الأمير حيدر إلى أن يبلغ أشده، هذه رواية بعض المؤرخين، وروى غيرهم أن أرسلان باشا كتب إلى الأستانة أن الأمير حيدر قاصر، والأمير بشير كفؤ للولاية وقد انتخبه اللبنانيون، فورد الفرمان باسم الأمير بشير فتولى إقطاعات آل معن بالأصالة لا بالنيابة، ويظهر أن هذه الرواية أصح.
فكان ابتداء ولاية آل شهاب على لبنان سنة 1697، واستمرت إلى سنة 1842 حين عزل الأمير بشير قاسم، وتولى عمر باشا النمسوي كما يأتي، وأسرة شهاب قديمة وعريقة بالشرف، ويقال: إن أصلهم من بني قريش، وأن جدهم مالك الملقب بشهاب من ولد مرة بن كعب، وأن مالك استعمله عمر بن الخطاب أميرا بحوران، واستمر أولاده على هذه الإمارة إلى أن ظهر الصليبيون بسورية، فدعاهم الولاة المسلمون أن يقوموا إلى وادي التيم لمناصبة الإفرنج، كما دعوا التنوخيين والمعنيين، وولوهم على حاصبيا وراشيا، ولما خلا الإفرنج عن سورية استمروا على إقطاعهم، ولما فتح السلطان سليم الأول سورية سنة 1515 كان الأمير منصور الشهابي واليا على وادي التيم، وكان في جملة رجال الغزالي نائب دمشق في وقعة مرج دابق، وكان موافقا للغزالي في الانحياز إلى السلطان الذي قرر ولاية آل شهاب على إقطاعهم المذكور، وكانوا غالبا بالاتفاق مع آل معن وصاهروهم إلى أن ورثوا ما كان بيدهم.
وفي سنة 1698 انتقض الشيخ شرف بن علي الصغير صاحب بلاد بشارة، وعصى قبلان باشا والي صيدا، فاستنهض هذا الوزير الأمير بشيرا لقتاله، وولاه على صفد وبلاد بشارة وإقليمي الشومر والتفاح، فسار الأمير بنحو ثمانية آلاف مقاتل وانتصر على الشيخ مشرف، وأهلك من رجاله خلقا كثيرا وقبض عليه وعلى أخيه محمد، وأرسلهما إلى قبلان باشا، وأقام الأمير بشير الأمير منصورا ابن أخيه واليا على صفد، وحضر لدى الأمير بشير بنو منكر أصحاب إقليمي الشومر والتفاح، وبنو صعب أصحاب بلاد الشقيف، فقررهم على إقطاعاتهم، وولى أرسلان باشا والي أطرابلس الأمير بشير على جبيل والبترون، فسلمها إلى الحمادية؛ لأنه كان قد كفلهم بمال وأرسل بعض خواصه، فجمعه منهم ودفعه إلى الوزير. إن كل ما دوناه في هذه الفصول الأخيرة مأخوذ عن تاريخ العلامة الدويهي، وهو شاهد عيان لهذه الأمور؛ إذ كانت في أيامه وبلاده. (8) في بعض مشاهير العلم بسورية في القرن السابع عشر
قد وضع العلامة محمد المحبي الدمشقي تأليفا سماه خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ضمنه 1284 ترجمة فانتقينا منه ما يأتي:
أحمد القرماني:
هو ابن يوسف بن أحمد الدمشقي القرماني، قدم أبوه من قرمان إلى دمشق، وولي نظارة الجامع الأموي، ثم قتل ببعلبك وصار ابنه كاتبا لوقف الحرمين، ثم ناظرا له وألف تاريخه المشهور، وسماه أخبار الدول وآثار الأول، ذكر فيه الدول وكثيرين من الموالي والأمراء، وتوفي سنة 1610.
حسن البوريني:
ولد بصفورية ونشأ بدمشق، ويلقب بدر الدين، وكان فرد زمانه في العلوم والفنون، وألف تآليف كثيرة منها: تحريراته على تفسير البيضاوي، وحاشيته على المطول لسعد التفتزاني في التصريف، وتراجم الأعيان في أبناء الزمان، وشرح ديوان عمر بن الفارض، ورحلة حلبية وأخرى أطرابلسية، وسبع مجموعات سماها السيارات السبع، ورسائل ومقالات كثيرة وجمع ديوانا من شعره تتداوله الأيدي، وتوفي سنة 1615.
Unknown page