وقسمت هذا الموجز إلى ستة مقالات أتكلم في كل منها على دور من الأدوار الستة، التي تعاقبت على سورية من قبيل الولاية عليها، فكان كلامي في المقال الأول في تاريخ سورية وسكانها منقسمون إلى قبائل مستقلة مع تعاقب سلطات المصريين والآشوريين والفرس على تلك القبائل أو بعضها، والمقال الثاني في تاريخ سورية في أيام ولاية إسكندر الكبير وخلفائه، والثالث في تاريخها في أيام القياصرة الرومانيين، والرابع في تاريخها على عهد الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين والفاطميين، والخامس في تاريخها في أيام الأيوبيين والمماليك البحرية والجراكسة، والسادس في تاريخها على عهد العثمانيين العظام - أدام الله ملكهم ما كرت الأعوام.
تمهيد
قد انبسطت تخوم سورية تارة، وانقبضت أخرى بحسب تقلب الأيام والدول عليها، فكانت تشمل أحيانا ما بين النهرين وأرمينية وبعض آسيا الصغرى وبعض بلاد العرب، وتضيق أحيانا عن هذه التخوم، والذي نتعمد الآن الكلام فيه: يحده شمالا آسيا الصغرى وشرقا نهر الفرات والبادية إلى بلاد العرب، وجنوبا قسم من بلاد العرب إلى تخوم مصر وغربا البحر المتوسط.
وقد اختلف العلماء في مأخذ اسم سورية، وذهبوا فيه مذاهب أظهرها وأمثلها مذهبان: الأول أنها سميت سورية نسبة إلى صور مدينتها، وأول من سماها بهذا الاسم إنما هم اليونان ... فكأنهم عرفوا أهل صور لكثرة ترددهم إليهم للتجارة، فسموهم سوريين وبلادهم سورية، بإبدال الصاد بالسين لعدم وجود حرف الصاد باليونانية، والثاني أن اليونان سموا أهل هذه البلاد سوريين نسبة إلى أسيريا بلاد الآشوريين الذين كانوا يلون سورية، وحذفوا الهجاء الأول من الكلمة تخفيفا، والبدل بين السين والشين والثاء مستفاض.
المقال الأول
في تاريخ سورية وسكانها قبائل مستقلة
الفصل الأول
في سكان سورية الأولين
(1) في سكانها قبل الطوفان
لا مرية في أن سورية كانت قبل الطوفان مأهولة بولد آدم، ولا نعتمد في هذا على التقليدات التي ترويها العامة عن قبر هابيل وقائين وغيرهما ... إذ لا يمكن التيقن بهذه التقاليد، بل الحجة القاطعة في ذلك هي أن الحقبة التي كرت بين خلق الإنسان والطوفان، وهي 1656 سنة بحسب النسخة العبرانية و2242 بحسب الترجمة السبعينية هي فوق ما يكفي لانتشار ذرية آدم في سورية القريبة من مهد الإنسانية مع طول حياة الناس قبل الطوفان، وقد رأينا أن ذرية نوح انتشرت في الآفاق سواء كان في ما بين النهرين أو أرمينيا، أو ما يقرب إليهما لأقل من الحقبة المذكورة. (2) في سكان سورية الأولين بعد الطوفان
Unknown page