98

Muhit Burhani

المحيط البرهاني في الفقه النعماني فقه الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه

Investigator

عبد الكريم سامي الجندي

Publisher

دار الكتب العلمية

Edition Number

الأولى

Publication Year

1424 AH

Publisher Location

بيروت

أشبه ذلك، وهذا لأن سؤر سباع الوحش لا يخلو عن لعابها، ولعابها متولد من لحمها، ولحمها نجس فيكون لعابها نجسًا يوجب تنجس الماء، وهذا المعنى موجود في سباع الطير. وفي الاستحسان: فرق بين سباع البهائم وبين سباع الطيور، والفرق من وجهين: أحدهما: أن سؤر سباع الوحش إنما كان نجسًا، لأن سباع الوحش تشرب بلسانها ولسانها مبتل بلعابها، ولعابها متولد من لحمها، ولحمها نجس فيصل شيء من لعابها إلى الماء، وإنه نجس فيوجب تنجس الماء، فأما سباع الطير فإنها تشرب بمنقارها، وكلما رفعت قطرة بمنقارها رفعت رأسها و(ابتلعت) تلك القطرة، فلا يسيل شيء من لعابها إلى الماء، وإنما يصل منقارها إلى الماء (وهو) عظم جاف لا يحتمل النجاسة.h والثاني: علمنا أنه يسيل شيء من لعابها إلى الماء، إلا أن في سباع الطيور ضرورة وبلوى لأنها تنزل من الهواء، فإذا وجدت آنية ماء تشرب منها، فلا يمكن الاحتراز عن سؤرها، وللضرورة أثر في إسقاط حكم النجاسة بخلاف سباع الوحش؛ لأنها تكون في المغاور والصحارى، ولا تنزل من الهواء، فيمكن الاحتراز عن سؤرها، فلم يسقط اعتبار النجاسة عن سؤرها، إلا أنه يكره التوضؤ بسؤر سباع الطير. واختلف المشايخ في معنى الكراهة، بعضهم قالوا: إسقاط النجاسة عن سؤرها إنما يكون للضرورة على ما بينا في الفرق الثاني، إلا أن هذه الضرورة ليست بضرورة ماسَّة فانتفت النجاسة لوجود أصل الضرورة، وبقيت الكراهة؛ لأن الضرورة ليست ثابتة، وبعضهم قالوا: إنها لا تتوخى عن النجاسات، بل يكون عامة مأكولاتها النجاسات، فلا يؤمن أن يكون على منقارها النجاسة، فيصل إلى الماء، غير أن الأصل لما كان طهارة منقارها واتصال النجاسة بمنقارها ليست بيقين حكمنا بالكراهة، ولم نحكم بالنجاسة كما في سؤر الدجاجة المخلاة، فهذا القائل يقول: إذا تيقن أنه لم يكن على منقارها نجاسة، كالبازي المأخوذ وغيره من الصقر والشاهين وأشباهها فإنه لا يكره التوضؤ بسؤرها كما في الدجاجة المحبوسة، وهكذا روي عن أبي يوسف ﵀، فكأن أبا يوسف ﵀ اعتبر الكراهة لتوهم إيصال النجاسة بمنقارها، لا لوصول لعابها إلى الماء. واستحسن المتأخرون من مشايخنا رواية أبي يوسف وأفتوا بها. وكذلك سؤر ما يسكن البيوت من الحشرات كالفأرة والحية والوزغة مكروه، والقياس أن يكون نجسًا باعتبار أن عينها نجسة ولعابها يتولد من عينها، إلا أننا أسقطنا اعتبار القياس ضرورة الطواف علينا على ما نبين في سؤر الهرة، وأثبتنا الكراهة لأن الضرورة ليست بماسَّة. وكذلك سؤر الهرة مكروه عند أبي حنيفة ومحمد رحمها الله، وعلى قول أبي يوسف ﵀: لا تكره، ذكر لفظة الكراهة عندهما في «الجامع الصغير» وهكذا ذكر القدوري في «شرحه»، وذكر في صلاة «الأصل»: المستحب أن (لا) يتوضأ بسؤر الهرة، وإن توضأ به أجزأه.

1 / 126