Muhammad Cali Jannah
القائد الأعظم محمد علي جناح
Genres
أصحاب القلة في أقاليمهم أشد حاجة إلى الدولة المستقلة، ولكنهم سينتقلون من بيئاتهم التي تعاقب عليها آباؤهم وأجدادهم، وسينتزعون أنفسهم انتزاعا من المولد العزيز، ومن مورد الرزق، ومن مآلف الصبا والشباب ...
وأصحاب الكثرة في أقاليمهم أقل حاجة إلى الدولة المستقلة، ولكنهم يعاشرون قلة من البراهمة المتهوسين بالعصبية الدينية، فيلمسون على قرب بوادر النقمة وقلة الأمان، ويهمهم أن يخلص لهم ضمان دائم كضمان الباكستان.
والمسلمون بعد مذاهب وطوائف: سنيون، وشيعة، وإماميون، وإسماعيليون ومن طائفة القادياني أو طائفة الفرائض، أو غير ذلك من طوائف الأئمة والدعاة.
وهم على هذا متفاوتون في الغيرة والحماسة، متباينون في العمل للدولة الجديدة، يتساءلون على أي أساس تقام، وإلى أية غاية تهدف، ومتى يكون البدء بتوطيد الأساس والهدف إلى الغاية.
هل تكون دولة مدنية أو دولة إلهية؟ وهل تكون كذلك دفعة واحدة أو على تدرج وأناة؟ وعشائر البادية والجبال ما شأنها؟ هل تحكم حكما عصريا أو تحكم بنظامها الموروث الذي تتغير الدول ولا يتغير؟
واللغة - لغة التعليم والعبادة - كانت هي أيضا مثار الخلاف والإشاعة المتناقضة: هل تفرض الأردية وحدها وتلغى البنغالية؟ أو تبقى البنغالية للتعليم والمعاملة في بعض الجهات وتعم الأردية جميع الجهات؟
نوازع ودوافع تضطرب فيها العقول والظنون وتتضارب فيها الأمزجة والأهواء، ولا سيما في الفوج الأول قبل الاستقرار والطمأنينة، وقبل جلاء النيات والغايات .
واقترنت هذه العوامل الطبيعية بعوامل أخرى غير طبيعية من تلفيق الدسائس والنفاق، فكانت هناك جماعات إسلامية ظاهرها الخدمة العامة وباطنها خدمة المأجورين للسياسة الأجنبية، وفرصتها هي هذه الفرصة في أوائل الحركة بين المتشابهات والمتناقضات، وبين مواقع التهم ومطارح الأطماع.
وعجيب، أو ليس بعجيب على الوجه الذي تختاره، أن يتعرض خادم الباكستان الأكبر في معترك هذه الظنون والنوازع لجريمة اغتيال لم يتعرض لها عدو من أعداء الباكستان الدخلاء أو الأصلاء في البلاد، وأن يكون مدبر اغتياله أحد المدينين له بنعمة الحرية والإنقاذ.
حدثت هذه المحاولة - محاولة اغتيال جناح - في صيف سنة 1943 والقائد عائد إلى بومباي من إحدى رحلاته، وأذاعت الصحف نبأ عودته وموعد وصوله، فذهب فتى من جماعة «خاكسار» يتربص به عند وصوله، ولم يتمكن من مقاربته لاشتداد الزحام في استقباله، فقصد إلى قصره ساعة الغداء، وكأنه علم من قبل أنها ساعة الراحة لمعظم الخدم ما عدا القائمين بإعداد المائدة للقائد الأعظم وضيوفه، فتلقاه بواب القصر بالترحاب كما يتلقى الزوار، وقاده إلى الكاتب الخاص الموكل بالاستماع إلى من يطلبون المقابلة، ودخل جناح المكتب في هذه اللحظة فرأى الفتى وسأل كاتبه عنه، فأبلغه ما سمعه منه، وأنه يرغب في محادثته لمسألة هامة، فأمر جناح كاتبه أن يعطيه ورقة يكتب فيها كل ما يطلبه، ويبلغه بعدها عن موعد يلقاه فيه لإتمام حديثه، وإذا بالشاب يهجم على القائد العام ويهم بأن يطعنه في صدره بمدية أخرجها من طيات ثيابه، وتمكن فعلا من إصابته بجرح غير ذي بال، ورفع يده ليتم فعلته فأدركه البواب قبل أن يعيد الكرة واعتقله وهو يصيح: «دعوني دعوني ... لست مأجورا ... إن شيخي يأمرني بقتله ...»
Unknown page