Muhammad Cali Jannah
القائد الأعظم محمد علي جناح
Genres
فلما أسست العصبة الإسلامية (سنة 1906) كان تأسيسها تلبية لشكوى المسلمين في الأقاليم التي هم قلة ضئيلة فيها إلى جانب الهندستانيين أو البرهميين والبوذيين، ولم يقبل عليها المسلمون الذين هم كثرة في أقاليم إلا بعد فترة غير قصيرة، وكانت جماعة «المهاسبها» التي تقدم ذكرها هي الحافز لهم على الاعتصام بالعصبة، والاحتراس من عاقبة الاندماج في وطن واحد يسمع فيه صوت هذه الجماعة بين أقوى الأصوات الغالبة على نفوس جماهيره.
فالقلة الهندستانية في الأقاليم الإسلامية تمادت في تعصبها الذميم إلى أقصى حدوده، وثبت من إحصاءات الاشتراك في العصبة الإسلامية أنها لم تنتشر بين تلك الأقاليم عند تأسيس العصبة، ولكنها بلغت غاية الانتشار بعد ثورة «المهاسبها» وتوقح كتابها وخطباؤها على مقدسات الدين الإسلامي؛ ومنها كرامة نبيه عليه السلام، وجعلت مكانة العصبة بين أهل تلك الأقاليم تتوطد وتستقر كلما تجاوبت أرجاء الهند بتلبية «الدعاية» الهوجاء التي انتهت بمقتل «المهاتما» الهندي؛ لأنه أنكر على الجماعة تعصبها الذميم.
وأعمق من حركات الجماهير الإسلامية وأطوار القادة والزعماء في الدلالة على استحالة الوحدة؛ أن المنبوذين أنفسهم - وهم من أعرق السكان في الهند - قد اتخذوا مع حزب المؤتمر موقفا كموقف العصبة الإسلامية، بل أشد لددا في الخصومة، وأعلن زعيمهم الدكتور (امبدكار) أن عناية غاندي بالمنبوذين إنما هي عناية يريد بها أن تستقل الهند خالصة لقومه، وأن قومه بالنسبة إلى المنبوذين كالأوروبيين بلا خلاف. وأصر الدكتور امبدكار على هذا الموقف بعد الوصايا المتكررة من غاندي بإنصاف المنبوذين، وتسميتهم باسم الهاريجان؛ أي أبناء الله. وقد يمهد له العذر في إصراره أن وزارة المؤتمر بمدراس - وهي وزارة يؤيدها ستة وعشرون من النواب المنبوذين - رفضت قرار اقترحه الزعيم «راجاه» يبيح للمنبوذين دخول المعابد الهندية، ولولا أن هؤلاء المنبوذين لا تضمهم في الهند أماكن قابلة للاستقلال، وأنهم هم أنفسهم مستسلمون لقسمتهم؛ لأنها جزء من عقيدتهم، لوجدت في الهند دولة منبوذة مستقلة يسكنها أربعون مليونا أو يزيدون.
العالم الإسلامي
كانت الحركات التي تجاوبت بها أرجاء العالم الإسلامي خلال القرن التاسع عشر عاملا في توجيه قضية الباكستان إلى الوجهة التي تدرجت في الاتجاه إليها حتى استقرت عند منتصف القرن العشرين على وضعها الأخير.
وكانت حوادث العالم الإسلامي خارج الهند لا تقل عن حوادث الهند الداخلية في تحويل أنظار مسلميها رويدا رويدا إلى ضرورة الاستقلال بحكومة منفصلة، وهي حكومة الدولة التي عرفت الآن باسم دولة الباكستان.
وكانت الحوادث الخارجية والداخلية معا ترسم مصير القضية وتقرره وتقيم له حدوده، حتى أصبح ذلك المصير كما قدمنا حلا مفروغا منه متفقا عليه بين القادة والجماهير، فلا حاجة به إلى تلك المؤثرات البلاغية أو السياسية التي يلجأ إليها القادة كثيرا لإقناع أتباعهم بما هم معتنقون به، ولكنهم يستجيشون لها شعور الجماعات تهيئة لقبوله على النحو الذي تتهيأ له نفوس الجماعات.
وكان القرن التاسع عشر منذ أوله فترة قلق شديد في بلاد العالم الإسلامي من أقصى أطرافها إلى أقصاها، وتلاحقت فيه الدعوات بغير انقطاع في كل أمة على النهج الذي يناسبها، فلم يخل بلد واحد في العالم الإسلامي من دعوة أو من حركة أو من ثورة، وكلها تطلب التغيير ولا ترضى بالواقع الذي صارت إليه.
وتجتمع تلك الدعوات جميعا في خصلة واحدة على تباين أشكالها وغاياتها، وهي أنها جميعا كانت «رد فعل» سريع لطغيان الاستعمار الأوروبي على الأقطار الشرقية، وقد ذهبت حملات الاستعمار حينا باستقلال أمم، وأضعفت أحيانا كيان الأمم التي بقيت مستقلة، وكشفت لهذه وتلك عن سوء حال لا قرار عليه.
ووقع في النفوس حيث اصطدم المسلمون بسلطان الدول المستعمرة أنهم أصيبوا بما أصيبوا به من جراء الفساد والفسوق والانحراف عن أحكام الدين، فلو عملوا بأحكام دينهم لما اصطلحت عليهم عوامل الضعف، ولا نزل بهم ذلك العقاب جزاء وفاقا من الله.
Unknown page