203

al-Muḥallā

المحلى

Editor

عبدالغفار سليمان البنداري

Publisher

دار الفكر

Publisher Location

بيروت

وَأَمَّا إيجَابُ الشَّافِعِيِّ الْوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الدُّبُرِ فَهُوَ خَطَأٌ لِأَنَّ الدُّبُرَ لَا يُسَمَّى فَرْجًا، فَإِنْ قَالَ: قِسْته عَلَى الذَّكَرِ قِيلَ لَهُ: الْقِيَاسُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى عِلَّةٍ جَامِعَةٍ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ، وَلَا عِلَّةَ جَامِعَةَ بَيْنَ مَسِّ الذَّكَرِ وَمَسِّ الدُّبُرِ، فَإِنْ قَالَ: كِلَاهُمَا مَخْرَجٌ لِلنَّجَاسَةِ، قِيلَ لَهُ: لَيْسَ كَوْنُ الذَّكَرِ مَخْرَجًا لِلنَّجَاسَةِ هُوَ عِلَّةُ انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّهِ، وَمِنْ قَوْلِهِ إنَّ مَسَّ النَّجَاسَةِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، فَكَيْفَ مَسُّ مَخْرَجِهَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ الرَّجُلِ يَمَسُّ ذَكَرَهُ بَعْدَ أَنْ يَتَوَضَّأَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: هَلْ هُوَ إلَّا بِضْعَةٌ مِنْك» . قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ، إلَّا أَنَّهُمْ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ مُوَافِقٌ لِمَا كَانَ النَّاسُ عَلَيْهِ قَبْلَ وُرُودِ الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الْفَرْجِ، هَذَا لَا شَكَّ فِيهِ، فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَحُكْمُهُ مَنْسُوخٌ يَقِينًا حِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الْفَرْجِ، وَلَا يَحِلُّ تَرْكُ مَا تُيُقِّنَ أَنَّهُ نَاسِخٌ وَالْأَخْذُ بِمَا تُيُقِّنَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَثَانِيهَا أَنَّ كَلَامَهُ ﵇ «هَلْ هُوَ إلَّا بِضْعَةٌ مِنْك» دَلِيلٌ بَيِّنٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَعْدَهُ لَمْ يَقُلْ ﵇ هَذَا الْكَلَامَ بَلْ كَانَ يُبَيِّنُ أَنَّ الْأَمْرَ بِذَلِكَ قَدْ نُسِخَ، وَقَوْلُهُ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ سَلَفَ فِيهِ حُكْمٌ أَصْلًا وَأَنَّهُ كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَكُونُ الْوُضُوءُ مِنْ ذَلِكَ غُسْلُ الْيَدِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ، لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ غُسْلَ الْيَدِ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ مِنْ مَسِّ الْفَرْجِ، لَا الْمُتَأَوِّلُونَ لِهَذَا التَّأْوِيلِ الْفَاسِدِ وَلَا غَيْرُهُمْ، وَيُقَالُ لَهُمْ: إنْ كَانَ كَمَا تَقُولُونَ فَأَنْتُمْ مِنْ أَوَّلِ مَنْ خَالَفَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِمَا تَأَوَّلْتُمُوهُ فِي أَمْرِهِ، وَهَذَا اسْتِخْفَافٌ ظَاهِرٌ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يُطْلَقُ الْوُضُوءُ فِي الشَّرِيعَةِ إلَّا لِوُضُوءِ الصَّلَاةِ فَقَطْ، وَقَدْ أَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إيقَاعَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ عَلَى غَيْرِ الْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ، كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَجَاءَ مِنْ الْغَائِطِ وَأُتِيَ بِطَعَامٍ فَقِيلَ: أَلَا تَتَوَضَّأُ فَقَالَ ﵇: لَمْ

1 / 223