Muhalhil Sayyid Rabica
المهلهل سيد ربيعة
Genres
وبعد ساعة جاءت جفان اللحم والثريد، ووضعت السنام مشوية مع الكبد في صحفة جعلت بين يدي المهلهل، وحملت الخمر فأديرت على الحاضرين في كئوس من نحاس، وأقبل الجميع على السمر في خيمة المهلهل كأنهم في وليمة حافلة.
هكذا أراد الضيوف، ولم يستطع عوف بن مالك أن يضن بمطلب طلبه منه زائروه.
وأراد المهلهل أن يمتنع عن مشاركة القوم في شرابهم برا بقسمه الذي أقسمه عند قتل أخيه، ولكن شيئا غلبه على امتناعه فجعله يرضى بمقاسمة القوم شرابهم. أكان ذلك ليأسه من متابعة النضال؟ أم كان لاقتناعه بأنه قد أدرك ثأر كليب؟ أم كان لأنه لم يقدر على مقاومة إغراء رائحة الخمر التي حرم مذاق راءوقها الصافي تلك السنين العدة بعد أن كان لا يصبر عنها يوما؟ مهما يكن من ذلك فقد أقبل على الشرب وانحلت منه عقدة الهم، وعاد اللون إلى وجهه وانبسطت أساريره، وكسته ابتسامة وديعة، وضرب مع الجلوس في الحديث.
وتحدر السمر وتصعد في شعاب وشجون، وكان القوم يصغون في شوق إلى أقوال المهلهل ويستملحون قصصه ويستعذبون أشعاره. ثم دارت الخمر في رأسه فتدفق في إنشاده وانساب في حديثه حتى صار هو وحده متكلم القوم، ولكنه لم يلبث أن نسي موضعه وحاله، وجعل يتذكر مواقعه في بكر، وينشد من أشعاره مفاخرا بقومه متغنيا بمن قتل من سادات بكر وشيوخ قيس بن ثعلبة.
ثم قام في حماسة كأنه قد خيل إليه أنه واقف في صفوف تغلب يذمرهم للحرب، ويحرضهم على الاستبسال في الهجوم، وأخذ يشير بيده ناظرا إلى الفضاء الفسيح الذي دون الخيمة وجعل ينشد:
شفيت النفس من أبناء بكر
وحكت بركها ببني عباد
إذا ما الخيل بالأشكال جالت
وفي لباتها أسل الصواد
وثار النقع بينهم وثارت
Unknown page