Al-Muḥāḍarāt waʾl-Muḥāwarāt
المحاضرات والمحاورات
Publisher
دار الغرب الإسلامي
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٢٤ هـ
Publisher Location
بيروت
وأعظم ما يسلي الوالد عن صفيّه، مصيبته بسيّده وهاديه ونبيّه، قال صلّى الله عليه، مرشدا بالقول الصائب: (من أصيب بمصيبة، فليذكر مصيبته بي، فانّها أعظم المصائب) [١]، وفي حديث آخر: (من أصيب بمصيبة فليتعزّ بمصيبته بي عن حملها، فانه لن يصاب أحد من أمتي من بعدي بمثلها) [٢] .
ومن أحسن ما كتب به شاعر إلى أخيه، يعزيه عن ابنه ويسليه [٣]: [الكامل]
اصبر لكلّ مصيبة وتجلّد ... واعلم بأنّ المرء غير مخلّد
وإذا ذكرت محمّدا ومصابه ... فاذكر مصابك بالنبيّ محمّد
ومما يجلب الأسى، ويذهب بعض الأسى [٤]، تذكّر ما وقع للخلق من ذلك، فقلّ أحد إلا وقد سلك به هذه المسالك، كتب ذو القرنين [٥] لأمه حين حضرته الوفاة مرشدا:
أن اصنعي طعاما للنساء، ولا يأكل منهن من أثكلت ولدا، فلما فعلت ودعتهن لم تأكل منهن واحدة، وقلن: ما منّا امرأة إلا وقد أثكلت ما هي له والدة، فقالت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون هلك ابني، وما كتب بهذا إلا تعزية لي وتسلية عني [٦] .
وقالت امرأة من العرب، أفنى الطاعون أهلها واستلب [٧]: [الطويل]
ولولا الأسى ما عشت في الناس ساعة ... ولكن متى ناديت جاوبني مثلي
وقالت الخنساء وهي تتأسى [٨]: [الوافر]
ولولا كثرة الباكين حولي ... على إخوانهم لقتلت نفسي
[١] الجامع الكبير ١/٧٤٨، كنز العمال ٦٦٥٥.
[٢] الجامع الكبير ١/٩٥٦، تهذيب ابن عساكر ٤/٣١١، الكامل في الضعفاء لابن عدي ٧/٢٦٢٥.
[٣] البيت الأول لأبي العتاهية في ديوانه ص ١١٧، والثاني في هامشه، ونسب البيتان لإبراهيم بن المهدي في مناقب آل أبي طالب ١/٢٠٥، وبدون عزو في الحيوان ٣/٤٧٣، والتعازي للمبرد ص ٨١، وعيون الأخبار ٣/٥٨.
[٤] الأسى بالضم: الصبر، وبالفتح: الحزن. (اللسان: أسا) .
[٥] ذو القرنين: هو الاسكندر المقدوني، القائد اليوناني المشهور، ترجمته وأخباره في تهذيب ابن عساكر ٥/٢٥٢، ومختار الحكم ومحاسن الكلم لابن فاتك ص ٢٢٢- ٢٥١.
[٦] ورد الخبر في تهذيب ابن عساكر ٥/٢٨٥، ومحاضرات الراغب الأصفهاني ٢/٥١٢، ومختار الحكم ص ٢٤٢.
[٧] البيت للحريث بن زيد الخيل في التنبيهات لعلي بن حمزة ص ٩٥، وشرح الحماسة للتبريزي ٢/٣٢٥، والشعر والشعراء ص ١٥٧، والأغاني ١٧/٢٦٩، ونسب للشمردل بن شريك في شرح الحماسة للتبريزي ٢/٣٣٧، وشرح المضنون به للعبيدي ص ٤٣٥٤، ونسب لنهشل بن حري في شرح الحماسة للتبريزي ٢/٣٣٧.
[٨] ديوان الخنساء ص ٨٤- ٨٥.
1 / 329