ومرّ عثمان ﵁ برماة يسيؤن الرمي، فقال: ما أسوأ رميكم فقال بعضهم: نحن متعلمين. فقال كلامكم أسوأ من رميكم.
ودخل الخليل على مريض نحوي وعنده أخ له فقال للمريض: افتح عيناك وحرّك شفتاك إن أبو محمد جالسا. فقال الخليل: أرى أن أكثر علة أخيك من كلامك. وسمع الأعمش إنسانا يلحن فقال: من هذا الذي يتكلم وقلبي منه يتألم.
المتفادي في كلام الكبار عن كلام فيه إيهام
دخل سعيد بن مرة على معاوية فقال له: من أنت؟ فقال: أنت سعيد، وأنا ابن مرة.
وقال السفاح للسيد الحميري: أنت السيّد؟ قال أنا ابن أبي وأمير المؤمنين هو السيّد.
وسأل رسول الله ﷺ قيس بن سعد: أنت أكبر أم أنا؟ فقال: رسول الله أعزّ وأكبر وأنا أقدم منه في المولد. وقال عمرو بن عثمان لطويس: أيّنا أسنّ؟ قال: لقد شهدت زفاف أمّك المباركة على أبيك الطيّب، فلم يجعل الطّيب صفة للام تفاديا من سوء ظنّ فيه.
وفي ضدّ ذلك
ما روي أنّ عمر بن الخطاب ﵁ قال لرجل: أتبيع هذا الثوب؟ فقال: لا عافاك الله. فقال: لقد علمتم لو تعلمون قل: لا، وعافاك الله.
وتكلّم بعض أهل زماننا عند الصاحب فسأله عن شيء فقال: لا أطال الله بقاءك فقال: قل لا، وأطال الله بقاءك فقال: بعضهم ما رأينا واوا أحسن موقعا من واوك.
(٧) ومما جاء في مفاضلة النطق والسكوت والمقال والسماع
تفضيل النطق على السكوت
قيل لزيد بن عليّ: الصمت خير من الكلام، فقال: لعن الله المساكتة فما أفسدها للسان وأجلبها للحصر، والله المماراة «١» أسرع في هدم العيّ من النار إلى يبيس العرفج «٢» .
واختصم رجلان إلى سعيد بن المسيب في النطق والصمت فقال: بماذا أبين لكما ذلك؟ فقالا بالبيان فقال: إذا الفضل له. وقيل لبعضهم: الصمت مفتاح السلامة، فقال ولكنّه قفل الفهم.
قال الشاعر:
خلق اللسان لنطقه وبيانه ... لا للسكوت وذاك حظّ الأخرس