190

Mughamarat Caql Ula

مغامرة العقل الأولى: دراسة في الأسطورة: سوريا وبلاد الرافدين

Genres

وأنه قائد عسكري من أتباع ديانة آتون، وهي أول ديانة توحيدية معروفة تاريخيا، أسسها الفرعون أخناتون. ولما هلك أخناتون، ودمر كهنة الديانات التقليدية كل ما بناه؛ تفرق أتباعه وأهله، إلا أن موسى التابع المخلص لأخناتون أخذ على عاتقه متابعة الرسالة فقام باختيار اليهود، تلك الفئة الغريبة المضطهدة؛ للتبشير بينهم، وقادهم، لقاء اهتدائهم، في مسيرتهم الطويلة للخلاص من العبودية. ولعل هذا الاختيار الذي قام به موسى، هو الذي أعطى فكرة اختيار الإله يهوه لشعبه في التوراة. وتتابع هذه النظرية منطقها فتقول إن اليهود بعد خيباتهم المتلاحقة وضياعهم الطويل، قد قتلوا قائدهم في ثورة من ثورات الغضب، وهذا الفعل الشنيع هو الذي أدخل على اليهودية فكرة المسيح المنتظر؛ لأن الندم قد اعتصر قلوب المغتالين، وترسخ بعد ذلك في لا شعور الجماعة، ونشأت الأمنية بعودة القتيل، الذي لم يمت وإنما اختفى؛ ليعود في نهاية العالم لقيادة شعبه.

رغم قلة ما نعرفه عن الديانة الآتونية، بسبب الانتقام الشامل الذي تعرضت له من قبل الكهنة الثائرين، فإننا نستطيع أن نلمح بعض أوجه التشابه بين الديانتين، الآتونية والموسوية، وذلك رغم ما خضعت له الأخيرة بعد موسى من تبدلات.

فأولا:

تصر الديانتان، ولأول مرة في التاريخ، على وحدانية الإله. إلا أن وحدانية أخناتون أعم وأشمل؛ لأنه يرى آتون إلها للأمم كلها، بينما بقيت اليهودية على الاعتقاد بيهوه إلها للشعب اليهودي، يتجلى في المعارك والانتصارات، لا كما يتجلى آتون في الأزهار والأشجار وجميع أشكال النماء والحياة.

ثانيا:

تمنع الديانتان أي نوع من أنواع التصوير أو النحت للإله الواحد ؛ لذلك فقد حطمت كل التماثيل إبان حكم أخناتون ومسحت عن جدران المعابد كل صور وأسماء الآلهة القديمة. وكانت الإشارة الوحيدة المسموح بها كرمز للإله هي أشعة الشمس التي كانت جميع الصلوات تحث على النظر للقوة الكامنة خلفها. فآتون ليس قرص الشمس ذاته، بل خالق أشعته التي يمدها بالطاقة. وليس ما في الكرة الملتهبة من مجد مشرق، إلا رمزا للقدرة المستورة. كذلك نقرأ في التوراة: «لا تصنع لك تمثالا، صورة مما في السماء من فوق، وما في الأرض من أسفل، وما في الماء تحت الأرض.»

10

ثالثا:

لا نجد في الديانتين أثرا لفكرة البعث والحساب والحياة الآخرة؛ فأخناتون في صراعه مع الديانات القائمة آنذاك، أراد أن يحرم أوزوريس، وهو الإله الشعبي الأول، ملكوته في العالم الآخر؛ لأنه كان رب البعث والحساب الذي يزن الحسنات والسيئات في العالم الأسفل، ومالك قلوب العباد الباحثين عن السعادة في الحياة الثانية. فعمد أخناتون إلى إلغاء فكرة البعث والحساب. وعلى منواله نسجت الديانة الموسوية التي لا نجد عندها أفكارا واضحة عن الحياة بعد الموت،

11

Unknown page