Mughalatat Mantiqiyya
المغالطات المنطقية: فصول في المنطق غير الصوري
Genres
فليس هناك طريق من البينة إلى النظرية! ويظهرنا تاريخ الممارسة العلمية على أن الاقتحامات الكبرى في العلم تأتي عن طريق الحدس، ثمة دائما قفزة إبداعية تتجاوز المعلومات المتاحة وتضيف إليها شيئا ما مستجدا، وأحيانا ما تأتي ومضة الاستضاءة من الأحلام بالمعنى الحرفي!
أحيانا ما يحلم العلماء نظرياتهم حلما! وفي كتابهما «الإبداعية العالية: تحرير اللاوعي من أجل انطلاق الاستبصارات» يعرض وليز هارمن وهوارد راينجولد عددا هائلا من الأحلام العلمية، مثل: حلم كيكوليه ببنية حلقة البنزين إذ رأى في منامه أفعى تعض ذيلها (وقيل عدة أفاع تعض كل واحدة ذيل تاليتها )، وحلم نيلز بور بالنظام الشمسي كنموذج للذرات، وحلم ديمتري مندليف بالجدول الدوري للعناصر، لا لم يكن مصدر النظرية مما يعني بوبر من قريب أو بعيد، فلتأت النظرية من حيث تأتي، المهم أن تكون علما، أي قولا يحمل نبأ عن العالم المحدد الذي وجدنا فيه، ويحمل في تضاعيفه تنبؤات قابلة للاختبار.
3
ويذكر أن نظرية التطور خطرت لألفرد والاس بينما كان في حالة هذيان
delirium ، ومن الأحاديث الشهيرة ما يؤثر عن أرشيميدس من أنه توصل إلى مبدأ الثقل النوعي وقانون الطفو (الإزاحة) بينما كان يغتسل، فقفز من الحمام صائحا «وجدتها!»
Eureka! . (1-1) منشأ الدولة عند هوبز
ذهب هوبز إلى أن أصل الدولة يرجع إلى العداوة والمنازعات المستمرة بين أشخاص أنانيين، يعيشون خارج نطاق أي نظام اجتماعي، وأن الدولة تنشأ من محاولة الحد من هذه العداوات، ولكن حتى لو صح هذا، لما كان تفسيرا بالضرورة لطبيعة الدولة في الوقت الراهن، فمن الممكن أن تتجاوز الدولة نطاق وظيفتها الأصلية، وتضع لنفسها أهدافا مختلفة كل الاختلاف، وتركيبا من نوع آخر، وعندئذ لا يمكننا القول إن من طبيعة الدولة ذاتها أن تقوم بالقمع والتنظيم، فمن الممكن أن يكون تبرير سلطتها مختلفا كل الاختلاف عما تصوره هوبز، الذي انتهى إلى موقفه هذا استدلالا من وصفه «المنشئي»
genetic .
4 (1-2) منشأ العمل الفني
في مجال تذوق الأعمال الفنية، وتفسيرها وتقييمها، نكون عرضة بصفة خاصة لارتكاب المغالطة المنشئية، وذلك حين نتجه باهتمامنا كله إلى حياة الفنان وشخصيته وسيرته الذاتية، ونظن أننا بذلك نقارب العمل مقاربة فنية جمالية، بينما نحن نبتعد عن عالم الفن بقدر ما نلج في عالم الفنان الشخصي ومفردات حياته، ليس ما يهمنا، من وجهة النظر الجمالية، هو تاريخ العمل وظروف نشأته، وإنما العمل ذاته، واقفا على قدميه، قد يتمكن الباحث الفرويدي، على سبيل المثال من أن يبين كيف دخل التخييل في العمل ذاته، غير أن هذا لا يؤدي في ذاته إلى تفسير قيمة العمل، فالعمل ليس مجرد تخييل، وإنما هو تخييل صيغ وشكل في بناء فني وباستخدام وسائل فنية، وهو قد أصبح جزءا لا يتجزأ من نموذج من الألوان أو الأصوات أو الكلمات، فعلينا ألا ننسى أبدا عناصر العمل التي تجعله على ما هو عليه في طبيعته الباطنة.
Unknown page