Mughalatat Mantiqiyya
المغالطات المنطقية: فصول في المنطق غير الصوري
Genres
7 (1-2) أمثلة أخرى للحجة الدائرية (أ) الخطة القومية
يذكر البريطانيون تلك «الخطة القومية 1964-1970م»، وهي ممارسة للتخطيط الاقتصادي القومي الذي كان صيحة رائجة في ذلك الوقت: فقد طلب من الشركات أن تتخذ معدل نمو قدره 3,8٪، وأن تقدر على هذا الأساس ما ستكونه خططها الخاصة للتوسع، ثم أضافت الحكومة هذه التقديرات المختلفة، واستنتجت أن الخطط المشتركة للصناعة البريطانية تومئ إلى معدل نمو قدره 3,8٪! لا غرو كانت الخطة القومية لا قيمة لها وما تزال، اللهم إلا لخبراء المغالطة المنطقية ممن يسعدهم الحظ بالحصول على نسخ منها لدى باعة الكتب المستعملة! (ب) الدور الديكارتي
يعرف كل قارئ لديكارت أنه بدأ فلسفته بافتراض الشك في كل شيء على الإطلاق: في شهادة الحواس وأحكام العقل ووجود العالم ... إلخ، حتى عثر على اليقين الأول الذي لا يتطرق إليه الشك، وهو يقين الفكر، يقين الكوجيتو: «أنا أفكر فأنا إذن موجود»، لقد أثبت وجود الذات بالفكر، ثم التمس للفكر سندا في الوجود الواقع، فأثبت وجود الله بالفكر ذاته ليكون ضامنا لمعرفته الواضحة المتميزة عن العالم الخارجي، بذلك يتبين الخطأ المنطقي الذي وقع فيه ديكارت بوضوح تام: فهو لم يخرج من شكه إلا بدور منطقي ظاهر: فمن جهة يجب للبرهنة على وجود الله الاعتماد على العقل والأفكار الواضحة كوسائل لا تخدع، ومن جهة أخرى لأجل التحقق من أن العقل والأفكار الواضحة لا تخدع يجب العلم أولا بوجود الله وصدقه!
8 (ج) التحليل النفسي
تعج كتابات رائد التحليل النفسي وأتباعه بمصادرات على المطلوب تؤدي لدرس المنطق أضعاف ما تؤديه لدرس السيكولوجيا من خدمات!
في كتابه «تفسير الأحلام» يقول فرويد بالنص الحرفي: «وأرادت مريضة أخرى (هي أمهر حالماتي) أن تنقض نظريتي في الأحلام، فأمكن أن يحل حلمها حلا أقل تعقيدا وإن ظل متفقا مع ذات القاعدة: أن عدم تحقق إحدى الرغبات معناه تحقق أخرى، ذلك أنني شرحت لها يوما أن الحلم يحقق رغبة، فأتتني في اليوم التالي بحلم رأت فيه أنها تسافر مع زوجة أبيها لتقضيا فصل الصيف في الريف، وكنت أعلم أنها قد ثارت ثورة عارمة على فكرة المصيف قريبا من زوجة أبيها، وأنها قبل ذلك بأيام قد أفلحت لحسن حظها في الإفلات من هذه الصحبة المخوفة؛ فاستأجرت منزلا في الريف يبعدها عن حيث كانت امرأة أبيها كل البعد، وها هو ذا الحلم قد أتى فإذا هو يقلب هذا الوضع رأسا على عقب، ألا ينقض ذلك نظريتي في تحقق الرغبة بوساطة الحلم أقطع نقض؟ يقينا، ولا يحتاج المرء إلى أن يستخرج النتيجة التي تخلص من هذا الحلم لكي يحصل على تفسيره: إن الذي يخلص من هذا الحلم هو أنني كنت على خطأ، وهكذا فقد كانت رغبتها هي أن أكون على خطأ والحلم يريها تحقق هذه الرغبة.»
9
يذهب أنصار التحليل النفسي إلى أن المشاهدات الإكلينيكية تؤيد نظرياتهم، من حيث هي وقائع تجريبية تربط النظرية بالعالم ربطا اختباريا فتمنحها الصفة العلمية، غير أن هذه الملاحظات الإكلينيكية، شأنها شأن كل الملاحظات الأخرى، هي تأولات في ضوء النظرية؛ ولهذا السبب وحده تكتسب مظهر المدعم لتلك النظريات التي تم في ضوئها تفسير هذه الملاحظات، إنها أشبه بثوب خلع «من» النظرية ثم خلع «عليها» ... فهالهم أنه انطبق على النظرية وأيدها تأييدا، وهو منطق معكوس يقع فيه كل من يقرأ فكرته ويتأولها في كل شيء ويراها في كل شيء لأنه لا يرى إلا بها! وهو منطق معكوس تجد له أمثلة لا تحصى في النظريات الميتافيزيقية التي تبدو الوقائع مؤيدة لها، ولو دققنا النظر في هذه الوقائع لتبين لنا أنها اختيرت في ضوء النظريات عينها التي نريد اختبارها بها.
قلما يخضع التحليل النفسي للاختبار في الممارسة الحقيقية، وحتى حين يعرض للاختبار فإن الاستدلال كثيرا ما يكون دائريا، بمعنى أن تفسير المعطيات نفسها يتطلب افتراض صدق النظرية، مثال ذلك ما ورد عن نتائج دراسة حول عقدة أوديب
Oedipus Complex
Unknown page