Mughalatat Mantiqiyya
المغالطات المنطقية: فصول في المنطق غير الصوري
Genres
conversational implicature ، التفرقة بين المعجم والموسوعة، وبين الاستعمال والذكر ... إلخ.
في ضوء هذه التفرقة الأساسية بين الدلالة والتداولية يمكننا أن نمضي فنقول إن الحجج الدائرية ليست مغالطة بالضرورة، وإنما يتوقف الأمر على السياق الحواري للحجة وعلى الالتزامات الاعتقادية لدى المتحاورين، يمكننا بتعبير تقني أن نقول إن المصادرة على المطلوب أو الحجة الدائرية هي «مغالطة تداولية»
pragmatic fallacy : أي قصور يتعين تقييمه بالنظر إلى الطريقة التي استخدمت بها الحجة في سياق حواري معين، لا تكون المصادرة على المطلوب مغالطة إلا إذا فشلت في تحقيق وظيفة مهمة من وظائف الحجة هي الوظيفة البرهانية؛ أي إذا لم تغير شيئا في درجة الثقة التي يكنها الخصم في النتيجة المعنية (المسألة المطلوب إثباتها)، الأمر هنا يتوقف على ما يعتقده متلقي الحجة وعلى درجة الثقة التي كان يوليها للمسألة التي يتم البرهنة عليها، الأمر هنا يتفاوت بحسب الالتزامات الاعتقادية الأصلية للطرف المتلقي، فإذا كانت الحجة تكرر النتيجة في المقدمات (أي تثبت المسألة بذاتها أو تفترض ما يطلب الخصم إثباته) متوجهة بذلك إلى خصم لا يعتقد أصلا في هذه النتيجة ولا يلتزم بها، فإنها عندئذ لا تؤدي وظيفتها البرهانية المنوطة بها، وهي بهذا المعنى وفي هذا السياق تعتبر مغالطة.
أما عندما تقدم نفس الحجة (من الوجهة السيمانتية/هوية سيمانتية) إلى طرف متلق يعتقد في النتيجة ويلتزم بها اعتقاديا، فإنها في هذا السياق التداولي المختلف لا تعتبر مغالطة.
ولمزيد من التبيان نقول: إن من أهم وظائف الحجة «الوظيفة البرهانية»
probative function ، أي وظيفة إزالة الشك (أو خفضه)، والتي تفترض الإطار التالي للحوار: ثمة طرف «المتلقي» لديه شكوك أو تساؤلات تتصل بنتيجة معينة، وثمة طرف آخر «صاحب الحجة أو الداعي» مهمته في الحوار هي إثبات هذه النتيجة إثباتا يقنع المتلقي ويرضيه وفقا لمقتضيات عبء البرهان المناسبة لنوع الحوار وللحالة المعنية، فالآن إذا طرح الداعي حجة دائرية من الصنف الذي لا يتسنى فيه خفض شكوك المتلقي أو تدعيم المقدمات إلا بإثباتها من النتيجة، عندئذ تكون الحجة مصادرة على المطلوب، مثال ذلك هذا الحوار بين مؤمن وشاك: - سيظل القرآن الكريم إلى يوم القيامة محفوظا من كل التصحيف والتحريف. - ما الدليل على ذلك؟ - الدليل أن الله يقول في كتابه العزيز:
إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون .
من البين أن هذه الحجة تنطوي على مصادرة على المطلوب لأن المتلقي ليس لديه التزام عقائدي بالقرآن، ومن ثم فإن الدليل المطروح لا يضمن عنده أن يبقى القرآن محفوظا بما فيه
إنا نحن .
أما عندما ترد هذه الحجة بحذافيرها في سياق تداولي آخر يجري بين داع مؤمن ومتلق مؤمن أيضا ولديه التزام عقائدي بالقرآن، هنالك تضطلع الحجة بوظيفتها البرهانية وتكون حجة صائبة مائة بالمائة وبريئة من أية مصادرة على المطلوب، هكذا تتجلى أهمية أن يتقن «الداعية»
Unknown page