Mughalatat Lughawiyya
مغالطات لغوية: الطريق الثالث إلى فصحى جديدة
Genres
كان عيسى بن عمر النحوي يخطئ النابغة في قوله:
فبت كأني ساورتني ضئيلة
من الرقش في أنيابها السم ناقع
35
ويقول: موضعها ناقعا، وللأستاذ العقاد رد بليغ على هذه التخطئة وعلى الأساس الذي تقوم عليه التخطئة، يقول العقاد: «وإن هذه الموسيقية لتعلم النحاة أحيانا كيف ينبغي أن يفهموا الشعر في هذه اللغة الشاعرة؛ لأن المزية الشعرية في قواعد إعرابها أسبق من المصطلحات التي يتقيد بها النحاة والصرفيون ... فينسى النحاة أن علامة الرفع في القافية تدل على الصفة وتعطي الكلمة معناها الذي يلائم الوزن ويلائم الإعراب، وما أخطأ النابغة حين قال «ضئيلة ناقع في أنيابها السم» ... ولا هو بمخطئ في تأخير الصفة إلى مكان القافية؛ لأنها - وهي مرفوعة - لا تكون إلا صفة موافقة لموصوفاتها أينما انتقل بها ترتيب الكلم المنظوم.»
36
الخطأ هنا خطا فهم قبل أن يكون خطأ لغة، والاختلاف هنا اختلاف ثقافة واختلاف منطق، فالنحويون الموالي كانوا يقيسون اللغة بمقياس آخر غير لغوي، ويعايرون العربية بمعيار غير عربي، وصدق فيهم قول أبي عمرو بن العلاء لعمرو بن عبيد: «ويلك يا عمرو، إنك ألكن الفهم ...»، لاحظ أنه يصف عقله (أي منطقه) باللكنة، أي بالافتقار إلى الصبغة العربية؛ لأنه حفظ المنطق الأرسطي وغاب عنه المنطق العربي.
وهناك أبيات مشهورة للشاعر عمار الكلبي تترجم هذه الخصومة وتعبر عن جوهر هذا الصراع بقوة وبراعة منقطعة النظير. يقول عمار الكلبي وقد عاب أحد النحاة بيتا من شعره.
ماذا لقينا من المستعربين ومن
قياس نحوهم هذا الذي ابتدعوا
Unknown page