فكيف يفاخرني الماء الذي شبه الله به الدنيا البغيضة، التي عنده جناح بعوضة، وأنا الذي أطير بلا جناح إلى جميع الجهات، وهو الذي يخر على وجهه ويمشي على بطنه كالحيات، وحسبي وحسبه هذا التفاوت العظيم، ﴿أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم﴾، وحسب الماء ذما خلوه من الحرارة المشتقة منها الحرية وكون الرطوبة فيه طبيعة غريزية، وأنا الذي سلم قلبي من القلب وإن كان من أحرف العلة، وهو الذي قلب الله قلبه لتحركه وانفتاح ما قلبه، وأنا الذي جعلني الله نشرا بين يدي رحمته، وجعل مني طوفانا أستأصل به ما تركه آدم من ذريته.
هذا وما خصني الله به من المزايا يعجز عنه فم الدواة ولسان القلم وصدر الرقيم، وفوق كل ذي علم عليم، وأما أنت فحسبك عيبا قول بعض الأدباء فلان كالقابض
على الماء، وبالله قل لي أي فخر لمن يعز مفقودا ويهون موجودا، ومن إذا طال مكثه، ظهر خبثه، وإذا سكن متنه، تحرك نتنه، ومن نبع من الصخور، ومر مذاقه في البحور، وشرق به شاربه، وغرق فيه مجاوره ومصاحبه وعلت فوقه الجيف، وانحطت عنده اللآلئ في الصدف،
1 / 30