99

Mudkhal Kabir

Genres

فكان من ردنا على من زعم أن اعتدال الطبائع وثباتها ليس من أجل الشمس والكواكب ولكن فيها قوة تنطبع بذاتها من غير علة أنه لا يكون تركيب إلا بمركب وأنه ممتنع أن يكون المركب هو ركب ذاته أو يكون مطبوع هو علة طبع ذاته لأنه لو كان ذلك كذلك لكان المركب إنما يركب مثل ذاته والمطبوع إنما يطبع مثل ذاته وكان لا يكون لهذه الأركان استحالة من بعضها إلى بعض بل كانت تكون على حالها وقد نراها تستحيل وتتغير ونجدها في الأشياء الطبيعية التي تكون وتفسد فمن هاهنا علمنا أنها لم تتغير ولم تستحيل من ذاتها وأن ذلك من فعل شيء آخر فيها فلذلك تغيرت واستحالت وأيضا فلو كانت الأشياء تتكون من ذاتها من غير علة لكان الشيء ئذا إذا كان موجودا في وقت من الأوقات لم يكن يتغير ولا يفسد بل كان يبقى على حاله لأن الشيء لا يفسد ذاته ولا يغيرها فإذا وجدناه مكونا بعد أن لم يكن ووجدناه يفسد بعد الكون علمنا أن علة الكون والفساد شيء آخر غيره فقد استبان الآن أن علة كون الشيء غير الشيء وأنه لا يتكون الشيء من ذاته بل من طبع فيه يقبل التكو ين من غيره

فنقول الآن إن الشمس بمشاركة الكواكب لها هي علة اعتدال الطبائع وتركيب الأشخاص الطبيعية بما جعل لها الخالق البارئ من القوى الطبيعية على ما ذكرنا وذلك كما جعل للنار الإحراق بطبيعتها فهي علة كل شيء يحترق بها وبرد الماء علة كل شيء يبرد به وأشياء كثيرة طبيعية الفعل على هذا النحو فكذلك جعل النير النهاري أعني الشمس علة الضياء والنهار والحرارة الكلية التي في هذا العالم وعلة التركيبات الطبيعية لأن المواضع التي يفرط فيها البرد لبعد الشمس عنها أو يفرط فيها الحر لقربها منها لا يتركب فيها حيوان وإنما يتركب الحيوان في المواضع التي لا تبعد من مدارها ولا تقرب منها جدا وذلك أن الموضع الذي بعده من مدار الشمس الصيفي الذي هو رأس السرطان في الشمال ستة وستون جزءا وإذا زدت عليه الميل كله وهو أربعة وعشرون جزءا بالتقريب يكون ذلك تسعين جزءا فهذا الموضع لا يتركب فيه حيوان ولا ينبت فيه نبات لبعده من مدار الشمس ومن شدة برده لأنها إذا صارت إلى البروج الجنوبية لا تطلع عليهم ستة أشهر فتنعقد البخارات هناك ولا ترتفع وتهب في ذلك الموضع في الشتاء والصيف رياح عاصفة فلا يتركب هناك شيء من الحيوان والنبات

Page 246