62

Mudkhal Kabir

Genres

فإن ترك استعمال علم النجوم لأنه لا يأمن أن يرى فيه مكروها فيعقب نظره فيه وعلمه به الاغتمام فينبغي أن لا يستعمل شيئا من هذه السعادات لأنه يعقبه الغم والأسف والحزن والندامة بسبب انقطاعها وعجزه عنها وينبغي أن يعمل نفسه في أكل أردأ الأطعمة وشرب أردأ الأشربة وترك الجماع وإن جامع كان جماعه لأقبح النساء وأسمجهن وعند كبر السن يعمل نفسه في الفقر وفي عدم كل شيء كما ذكرنا قبل من السعادات حتى لا يعقبه الاغتمام لعجزه عن الالتذاذ والسرور بها فأما الخير والسرور فإن تقدمة المعرفة بهما نافعة جدا لأنه ربما ورد على الإنسان الشيء السار بغتة فيدهش ويتحير وربما مات من ساعته من شدة الفرح لأن من إفراط السرور أو الغم ربما مات الإنسان بغتة فإذا حدث للإنسان السرور وقد تقدم علمه به لم يدهش ولم يتحير لذلك ولا خيف عليه من شدة الفرح التلف ويتقدم فكره فيما يريد من التدبير فيه

ولنبين ما ذكرنا من الغم والسرور بقياس مفهوم طبيعي في جميع الحيوان نقول إن الحيوان كله في طبعه يفرح ويغتم فإذا لم يفرح الحيوان بما يفرح بمثله ولم يغتم بما يغتم بمثله كان بعيدا من الحيوانية وكان في طبع الأشياء الجامدة كالحجر والخشب وما أشبههما فأما الحيوان كله غير الإنسان فإنما يفرح ويغتم عند مباشرته للأشياء السارة والغامة وإنما تقدمة معرفة السرور والغم للإنسان وحده من بين الحيوان فتقدمة المعرفة بالأشياء النافعة والضارة يحتاج إليها الإنسان في كل الحالات لأنه إن كان ذلك الشيء مكروها فتقدمة العلم به خير له من تأخيره للعلل التي ذكرناها قبل وإن كان خيرا أو سرورا فإنه لا يجهل إنسان فضيلته وإن تقدمة معرفته وتعجيل السرور بالإخبار فيه قبل كونه أفضل من تأخيرها لأن كل الناس إنما يسعون في هذا العالم ليسروا وغرضهم في السرور واحدة من ثلاث خصال إما رجل مغتم فهو يسعى في دفع ذلك الغم عنه واجتلاب السرور وإما إنسان ناقص السرور فهو يسعى في تمام ذلك السرور وإما إنسان مسرور فهو يسعى في دوام سروره ولناتئ على السرور بقياس من جنس الموسيقي أعني الغناء

Page 170