ومن قوة هذه القسمة وحقيقتها أنه صار بيتا زحل الذي هو أنحس كواكب الفلك وأدلها على الفساد في استقبال بيتي النيرين الدالين على الكون والنشوء وصار بيتا المريخ الذي دونه في النحوسة على تربيع بيتيهما لأن نحوسة التربيع دون المقابلة ولأن التثليث والتسديس من قسمة السعود والتثليث أقوى من التسديس والمشتري أسعد من الزهرة صار بيتا المشتري على تثليث بيتي النيرين وبيتا الزهرة على تسديس بيتيهما ووجدنا وتر عطارد يبلغ قريبا من ثلاثين جزئا وهو في السعادة دون الزهرة فصار بيتا عطارد يليان بيتي النيرين على قدر نصف التسديس بالتقريب وقد جعل قوم بيوت الكواكب على قدر تضاد طبائع بعضها لبعض وذلك لأن الشمس والقمر موصوفان بأنهما نيرا العالم وزحل موصوف بالظلمة والظلمة في كل حين ضد النور والنور ضد الظلمة فلذلك جعل بيتا زحل في استقبال بيتي النيرين
فأما المشتري فإنه دليل المال والعقار وعطارد دليل العلم والبيان والحكمة وطالب العلم مستخف مستهين بالمال وطالب المال مستهين بالعلم لأن شهوة المال والغناء ضد شهوة العلم والبيان فجعل بيتا أحدهما ضد بيتي الآخر وأما المريخ فإنه دليل الحرب والقتال والفزع والخوف والزهرة دليلة الدعة والشهوات واللذات والفرح في كل حين ضد للفزع والقتال والخوف فلذلك جعل بيتا أحدهما في مقابلة بيتي الآخر
فكل الأوائل إنما قسمت البيوت على واحدة من هذه الجهات الأربع اللواتي ذكرنا لأن بعضهم بدأ في قسمة البيوت بالنيرين ثم بالفلك الذي يلي فلك القمر ثم صاعدا حتى انتهى إلى فلك زحل كما حكى هرمس عن غاثيذيمون وبعضهم بدأ بالنيرين ثم بزحل كما عمله بطلميوس وبعضهم جعل للنحوس استقبال بيتي النيرين وتربيعهما وللسعود التثليث والتسديس وجعل بيتي عطارد عن جانبي النيرين وبعضهم جعله على قدر تضاد طبائع بعضها لبعض وكل هذه القسمة تؤول إلى شيء واحد
Page 460