إنا لما أردنا أن نعلم بيوت الكواكب السبعة من البروج الاثني عشر نظرنا فوجدنا لكل كوكب من الكواكب الخمسة شكلين وبعدين مختلفين كالتشريق والتغريب والرجوع والاستقامة ولم نجد لكل واحد من النيرين إلا شكلا واحدا لأن الشمس لا تشريق لها ولا تغريب والقمر لا رجوع له فاستدللنا بما وجدنا من حالات الكواكب الخمسة أن لكل واحد منها بيتين كل بيت منهما موافق لأحد شكليه وأن لكل واحد من النيرين بيتا واحدا موافقا لشكله وأنهما أقوى الكواكب لأن كل ما ثبت وبقي على شكل واحد كان أقوى له وأثبت لصورته وكل ما داخله التغيير وتبديل الأشكال كان أضعف له إلا أن الأوائل كانت تسمى القمر كوكب الشمس لأن كل كوكب من هذه الكواكب الخمسة غير محتاج إلى نور غيره لأن له تشريقا وتغريبا بنور نفسه والقمر لا نور له عند تشريقه وتغريبه وسائر حالاته إلا بالشمس وهو المستمد منها نورها ولا قوام للمادة بلا صورة ولا تظهر الصورة شيئا بلا مادة والمادة مضطرة إلى الصورة والصورة هي التي تترأ س على الطبيعة والقمر هو المادة والشمس هي الصورة ولا يظهر فعل القمر إلا بالشمس فلذلك سموه كوكب الشمس فحيث ما كان للشمس من حصة فحصة القمر تتبعها فبيت القمر مقرون إلى بيت الشمس وشرف القمر بعد شرف الشمس ويوم القمر بعد يوم الشمس وقسمة القمر بعد قسمة الشمس
فإذا تقدمت لنا هذه الأشياء ابتدأنا في قسمة بيوت الفلك على الكواكب من اتفاق الجواهر لأن كل جوهر مقو لجوهريته موافق ممازج له ومفسد لضده والدليل على ذلك أنه لا قوام للنار بمجاورة الماء لأن كل واحد منهما مفسد لصاحبه فأما النار فهي مقوية ملائمة للنار والحرارة الكلية التي في هذا العالم إنما هي من الشمس وقد ذكرنا في القول الثاني من كتابنا هذا أنه عند كونها في خمس عشرة درجة من الأسد أقوى ما تكون الحرارة واليبس في هذا العالم فأولى بيوت الفلك بها الأسد لملائمة أحدهما للآخر بالطبيعة وأقوى ما يكون في خمس عشرة درجة منه فلما عرفنا بيت الشمس ومكان قوتها منه بدأنا ببيت القمر الذي هو مقرون بالشمس وسمينا كل ثلاثين درجة التي هي مقدار البرج الواحد سهما من السهام ثم ألقينا ثلاثين درجة من خمس عشرة درجة من الأسد إلى الجانب الأيمن والأيسر فوقع أحد السهمين في خمس عشرة درجة من السرطان والآخر في خمس عشرة درجة من السنبلة فعلمنا أن أولى المواضع بالقمر البرج الملائم لطبيعته المقوي لها البارد الرطب فصار السرطان بيت القمر وصارت قوته في خمس عشرة درجة منه
Page 456