وقياس ذلك أن النار بطبيعتها حارة يابسة وخاصيتها الإحراق فإذا ابتدأت تظهر خاصيتها فإنه يحدث مع إظهارها تلك الخاصية أفاعيل كثيرة خلاف الإحراق ولو فعلت الإحراق بطبيعتها لكان كل حار يابس محرقا ولكان لا يوجد لها أفاعيل كثيرة ونحن نجد خلاف ذلك لأن النار في وقت واحد قد ترطب وتذيب وتسخن وتحلل وتجمع وتعقد وتفرق والترطيب والتذو يب والجمع والتعقيد خلاف الإحراق وهذه الأشياء ربما فعلتها النار في وقت واحد في أشخاص مختلفة على قدر قبول تلك الأشخاص لفعلها وعلى قربها أو بعدها منها وربما فعلت ذلك في شخص واحد في وقت بعد وقت وكذلك الثلج فإن خاصيته الحقيقية التبريد وربما ظهر من فعله التسخين لأنه إذا وضع الثلج على بعض أعضاء الحيوان فإنه يبرده ويحبس القشر أن يخرج منها الحرارة إلى خارج البدن فتتكاثف الحرارة في ذلك العضو فيسخنه فقد ظهر من فعل الثلج شيئان متضادان وهما التبريد والتسخين معا في وقت واحد أحدهما من الخاصية الحقيقية والثاني من فعل تلك الخاصية وقد يوجد مثل هذه الخاصيات لأجسام كثيرة فكذلك السعودة والنحوسة إنما هي من خاصية فعل الكوكب لا من طبيعته فلذلك صار الكوكب الواحد يفعل بخاصيته في وقت واحد أشياء مختلفة من السعودية والنحوسية وربما فعل ذلك في وقت ووقت وهذه الخاصيات التي للكواكب في السعادة والنحوسة هي على جهتين إحداهما الخاصية الحقيقية التي لا تتغير دلالة الكواكب عما تدل عليه باختلاف حالاتها ولا يستعمل المنجمون هذه الخاصية وهي فعل السعود السعودية وفعل النحوس النحوسية في تفصيل الأنواع من الأجناس وتفصيل الأشخاص من الأنواع وكيفية تركيبها فتلك الأفاعيل والسعادة والنحوسة التي للكواكب في هذه الأشياء لا تتغير أبدا لأن حالات الكواكب المختلفة التي لها في كل وقت وإن كانت سببا لتغيير مزاج النطف والنبات والمعادن من حال إلى حال فإنه ليس في قوى تلك الاختلافات تبديل الأنواع إلى غيرها حتى يكون بها من نطفة الإنسان غير الإنسان ولا من نطفة الفرس غير الفرس وكذلك سائر الحيوان والنبات لا ينتقل من نوع إلى نوع باختلاف حالات الكواكب ولكنها إنما تتغير حالاتها في أنفسها إلى صلاح التأليف والمزاج والتركيب أو إلى فسادها أو إلى القوة أو إلى الضعف أو إلى سائر الكيفيات
Page 394