فأما طبائع الكواكب فإن الفلاسفة ذكرت أنها أجرام كرية بسيطة طبيعية الحركة مستديرتها وأما خاصية كل واحد منها فإنما عرفوها بما ينفعل من قوى حركاتها في تفصيل الأنواع المختلفة من الأجناس وفي تركيب الأشخاص المفردة الطبيعية المخالفة بعضها لبعض وكونها وفسادها فسموا بعض هذه الانفعالات سعادة وبعضها نحوسة على نحو ما تقدم ذكرنا لها فالسعادة والنحوسة الموجودة عندنا إذن هي عن خاصية حركات الكواكب لا من طبيعتها لأنها كلها بطبيعتها ليست بسعدة ولا نحسة وإنما تسمى بالسعادة والنحوسة بما يظهر من خاصية حركة كل واحد منها في هذه الأركان الأربعة المتصلة بها بالطبيعة ولذلك قالت الحكماء أن المطبوع غير الطبائع وبالمطبوع استدللنا على الطبائع وكانت أشخاص أنواع الحيوان والنبات والمعادن في الطبائع بالقوة إذ لا مطبوع وإن تفصيل الأنواع المختلفة من الأجناس وتركيب الطبائع الأربعة في أشخاص الأنواع إنما يكون بقوى حركات الكواكب بإذن الله فإذا كانت بقوة حركاتها تدل على تفصيل الأنواع من الأجناس واتفاق الطبائع وتركيبها في الأشخاص الطبيعية المفردة فقد أسعدت وأنحست لأن الإنسية والبهيمية كانا في الجنس والطبائع بالقوة سواء ليس لأحدهما على الآخر في ذلك فضل ولم يكن بينهما فيه فرق فتطبعت وتركبت وتفرق بين صورها وأشخاصها عن قوى حركاتها فصارت الإنسية للنعمة واللذة والفهم والفكرة ومعرفة الأشياء التي كانت والتي تكون وصارت البهيمية للكد والشقاء والجفاء والذبح
فلهذه العلة أسعدت وأنحست ولأنه عن قواها كان تفصيل أشخاص الأنواع المختلفة باختلاف حالاتها كما هو موجود في مخالفة كل شخص من أشخاص الحيوان والنبات والمعادن بعض لبعض في الحسن أو القبح أو القوة أو الضعف أو الجودة أو الردائة أو الطيب أو النتن أو الضار للحيوان أو النافع له وسائر الحالات المختلفة فقد أسعدت وأنحست
Page 376