وخرجت من عنده، وعدت إلى ثروت باشا، فعلمت أنه في الوقت الذي كنت أقابل فيه السلطان قبض البوليس على جماعة كانت تريد اغتيال ثروت باشا عند كوبري قصر النيل حينما يمر بعربته، وقد اتصل به نبأ هذه المؤامرة؛ ولذلك طلبني إليه، ولم يرسل عربته، وبعثني إلى «عابدين» دون أن يذهب هو لهذا السبب مطمئنا إلى أن الجناة لا يرشدهم إلى القيام بتنفيذ مؤامرتهم، إلا معرفتهم لشكل عربة ثروت باشا ...!
اشتراكي في وزارة ثروت
كان لي الشرف أن أكون أحد واضعي تصريح 28 فبراير، ثم كان لي الشرف أن أكون عضوا في وزارة ثروت باشا، التي أعلنت استقلال مصر، بعد إعلان هذا التصريح بخمسة عشر يوما.
فقد صدر أمر عظمة السلطان إلى المرحوم عبد الخالق ثروت باشا بتأليف الوزارة في أول مارس من تلك السنة، فتألفت برياسته، ومن حضرات الآتية أسماؤهم: «إسماعيل صدقي باشا «وزيرا للمالية»، وإبراهيم فتحي باشا «وزيرا للحربية والبحرية» وجعفر ولي باشا «وزيرا للأوقاف»، ومصطفى ماهر باشا «وزيرا للمعارف»، ومحمد شكري باشا «وزيرا للزراعة» ومصطفى فتحي باشا «وزيرا للحقانية» وحسين واصف باشا «وزيرا للأشغال» وواصف سميكة باشا «وزيرا للمواصلات» ... وكان الأساس الذي قبلنا عليه الوزارة في ذلك الحين هو تصريح 28 فبراير، الذي أحدث في الحالة السياسية تغييرا كليا.»
ومما يجب أن يسجل للتاريخ أن جميع المحبين لمصلحة البلاد قد وقع منهم هذا التصريح موقعا حسنا، إذ اجتازت مصر بمقتضاه طورا جديدا من أطوار حياتها السياسية، وقطعت مرحلة من مراحل جهادها الوطني كان لها أثرها، ودلت الحوادث فيما بعد على أن هذا التصريح ساعد مصر على دخول المفاوضات، وأتاح للوزارة أن تبدأ عهدا جديدا، وأن تضع لنفسها دستورا على أحدث المبادئ الدستورية، وأن تتصرف في شئونها كدولة مستقلة ذات سيادة.
لجنة الدستور
ومع أننا قمنا بما قمنا به في هذا السبيل من خدمة وطنية دفعت المسألة المصرية مرحلة إلى الأمام، فإن وزارة ثروت باشا لقيت نقدا من خصومها السياسيين، على أنها لم تكترث بنقد الناقدين، ولا معارضة المعارضين، فسارت في طريقها، وأخذت تدعو ذوي الكفايات من جميع الهيئات للاشتراك في وضع الدستور، فأبى فريق المعارضة تلبية الدعوة، فمضت الوزارة في خطتها، واختارت لجنة من الوزراء السابقين، ومن رجال العلم والقانون، والرؤساء الروحانيين والأعيان، وكان رئيس هذه اللجنة حسين رشدي باشا ونائب الرئيس أحمد حشمت باشا.
وعلى الرغم من مكانة أعضاء هذه اللجنة، فقد سمتها المعارضة «لجنة الأشقياء»، وكانوا يرون أن يتولى وضع الدستور «جمعية وطنية» تنتخب لهذا الغرض.
وهنا أحب أن أقول: إن فكرة الجمعية الوطنية لم نأخذ بها؛ لأن البلاد التي وضعت دساتيرها جمعية مثل هذه الجمعية كانت في ظروف استثنائية زالت فيها السلطة الشرعية، وحلت محلها سلطة مؤقتة على نحو ما حدث في الثورة الفرنسية، وقد جرى العرف في مصر على أن تصدر القوانين من ولي الأمر وحده، سواء أكان ذلك في إنشاء مجلس الوزراء، وهو أول حجر في وضع النظام الديمقراطي في مصر أم فيما تلا ذلك من النظم ... على أن بلادا كثيرة كاليابان، وإيطاليا، والبرتغال، والنمسا وضعت دساتيرها بالطرق العادية، ولم تضعها جمعيات وطنية.
أعمال وزارة ثروت
Unknown page