إلى الأستانة ومنها
فسافرت ومررت على مصر ومنها إلى الأستانة، وكان فيها أخي فيصل الذي كان حين ذاك مبعوث جدة، فقابلني على الرصيف ولم يكن بالمرتاح من الوضعية بين الوالد والباب العالي، وقال: إن تأخرك أغضبه. فقلت: لا عليك.
وكان البوليس اقتحم الباخرة وفتشها، وألقى القبض على عدة رجال من الأرمن، كانوا بها يعملون كبحارة من الوقادين في مراجل السفينة، وكان هؤلاء فدائية أرسلوا من حزب الحرية والائتلاف من مصر، للفتك بأنور باشا وطلعت باشا وجمال باشا، وكانت لي اليد مع هذا الحزب في هذه المسألة. وبالطبع امتعضت وقلقت ولكن وقع ما وقع.
وفي اليوم التالي ذهبت إلى الصدر الأعظم وقلت: يقرئكم والدي السلام ويقول:
أنا خادم الخليفة ولست بمعارض فيما يرى جلالته عمله وإني مستعد للتنفيذ حالا. ولكن إذا كان إتمام بناء الخط وتأمين ولاء العشائر ومعاشهم هو ما يريده جلالته وتريده الحكومة، فلذلك وسائل لا تقتضي ربع المصرف الذي بينه لي عبد الله، وهي - أي الوسائل - اللازمة لإيجاد المشاريع التي تأتي بعد التفكير مع لجنة أترأسها أنا - أي الشريف نفسه - ومن المناسب أن يكون فيها صاحب الدولة والسماحة شيخ الإسلام أو أي وزير من الوزراء. وإن كانت الرغبة منصرفة إلى إقامة الإنشاء تحت أي شرط يكون فينبغي توظيف فرقة عسكرية بكاملها على طريق السكة وأشغال المياه والقرى بين المدينتين. ثم بعد ذلك تكون البداية في العمل.
هذا ما أمرني أن أنقله إليكم.
فأجاب الصدر سعيد حليم باشا بقوله:
ليس بعد هذا ما يقال، وسأستدعيك لنجتمع مع طلعت باشا في هذين اليومين.
وكان قبل وصولي بيوم، قتل ولي عهد النمسا وزوجته بسراجيفو، وتوترت الحالة السياسية بين روسيا والنمسا وجرت إلى التعبئة العامة بين الدولتين، واضطر الإمبراطور (وليهلم) الثاني أن يعود إلى برلين من سياحته البحرية في البلطيق. ففي تلك الأثناء زرت الصدر لأتلقى الجواب، فقال إنه مسافر إلى لاهاي ليجتمع هناك بالمسيو (فنزيلوس) رئيس وزراء اليونان لحل بعض المسائل المعلقة بين الدولتين، وأمرني بأن أنتظر أوبته، فقلت: يسر الله لفخامتك كل عسير، ولكني لا أظنك قادرا على السفر وأوربا في هذه الحالة. فقال: أتظن أن الشعوب الأوروبية تشهر الحرب من أجل رجل وامرأة، فتسفك الدماء وتخرب الديار؟ هذا ما لا يفعلونه. فاستأذنت وانصرفت، وفي اليوم التالي تبودلت الإنذارات النهائية بين روسيا والنمسا، واشتعلت الحرب العظمى السابقة.
وزرته في الباب العالي فقال لي: صدق ظنك، تأخرت لسبب الحرب. فقلت له: أريد النتيجة عن ما جئت من الحجاز لأجله. فكلم وزير الداخلية بالهاتف عني، فأجابه أنه ينتظرني. فلما حضرت وسألته عن المقتضى قال: وهل هذا وقت تفكير في إنشاء خطوط حديدية؟ ومن أين القضبان والساحبات ومواد البناء، والحرب قد أشهرت؟ ولكن نريدك أن تسافر حالا إلى الحجاز لجلب المتطوعة، فإنه من الممكن دخول الدولة الحرب مضطرة. وهذه سيارتي اذهب بها إلى أنور باشا لتتذاكر معه في هذا الشأن.
Unknown page