فقد كتب المستر بكوك في مذكراته يقول: «إنه ليلوح لي أن أهم ما تنبت هذه المدن جنود وبحارة ويهود، وطباشير وبراغيث بحر، وضباط وعمال أحواض، وأما السلع المعروضة للبيع في الطرقات فهي في الأغلب الأعم أمتعة بحرية، وخبز يابس، وتفاح، وسمك موسى، ومحار «جندوفلي»، وتبدو الشوارع ملأى بالحياة والحركة، ومردهما غالبا إلى مرح العسكريين ومجونهم، وإنه لبهيج حقا لمن أوتي خاطرا نزاعا إلى حب الخير أن يشهد أولئك الخلائق الأرداء، وهم مترنحون من أثر الإفراط في أكل اللحوم، وشرب الكحول الشديد، ولا سيما إذا تذكرنا أن السير في إثرهم والممازحة معهم كفيلان بلهو رخيص، ومتعة بريئة للغلمان من أهل المدينة.»
وواصل المستر بكوك قوله في مذكراته: «ولست أحسب شيئا يمكن أن يفوق خفة روحهم، فقد حدث في اليوم السابق لوصولي أن أحدهم أهين أشد الإهانة في حانة؛ إذ رفضت الساقية بتاتا أن تقدم له شرابا أكثر مما تعاطى، فما كان منه لمجرد التسلية إلا أن أخرج «سونكته» من غمدها، وجرح الفتاة في كتفها، وكان هذا الفتى البديع أول من قصد إلى الحانة في غداة اليوم التالي، وأبدى استعداده للتغاضي عن المسألة ونسيان ما جرى.
ومضى المستر بكوك يقول في مذكراته: «وأكبر ظني أن استهلاك التبغ في هذه المدائن كبير جدا، وأن الرائحة التي تعم الشوارع تتجاوز الحد في الزكاوة والعبق في أنوف المولعين بالتدخين المفرطين فيه، وقد ينفر المسافر الذي لا يعنى بغير المسائل السطحية من القذر الذي هو من أخص خواص هذه المدن، ولكنه يبدو سارا مرضيا لمن يكسبه دليلا على كثرة الحركة فيها، ورخائها التجاري ...
وفي تمام الخامسة قدم الغريب، وأعد الطعام بعد قليل، وكان قد تخلص من إضمامة الورق الأسمر الملففة، وإن لم يحدث تغييرا في لباسه، وانقلب أكثر ثرثرة من قبل.
قال وقد رأى الغلام يرفع أحد الأغطية: «ما هذا؟»
فأجابه الغلام: «سمك موسى يا سيدي.» - سمك موسى ... آه هذا سمك فاخر ... يأتي كله من لندن ... إن أصحاب الحافلات يعاونون في إقامة المآدب السياسية ... مركبات ملأى بسمك موسى ... عشرات من السلال ... إنهن مكرة ... كأس من النبيذ يا سيدي ...
وقال المستر بكوك: «بكل سرور.»
وبدأ الغريب بكأس نبيذ مع المستر بكوك أولا، ثم أخرى مع المستر سنودجراس، وثالثة مع المستر طبمن، ورابعة مع المستر ونكل، وخامسة مع الجمع كلهم، في عجلة تكاد تشبه عجلته في الكلام.
وانثنى إلى الغلام فقال: «زحمة ملعونة على السلم ... يا غلام ... أشباح تصعد، ونجارون يهبطون ... مصابيح وأقداح ومعازف ... ما الخبر؟»
فأجاب الغلام: «مرقص يا سيدي.»
Unknown page