وانصرف سام ولر مسترق الخطى تاركا المستر بكوك وحده في الحديقة.
وكانت الأنوار تبدو بين لحظة وأخرى من نوافذ البيت وشرفاته، إذ تنبعث من مدارج السلم، كأنما أوى القوم إلى المضاجع، ولم يشأ المستر بكوك أن يقترب كثيرا من الباب قبل أن يحين الموعد المضروب، فانزوى متسللا في ركن من الجدار، وانتظر اللحظة المعينة.
وكان من المحتمل أن يحدث موقف كهذا انقباضا في نفوس كثير من الناس، ولكن المستر بكوك لم يكن مع ذلك يشعر بأي انقباض أو «تطير»؛ فقد كان يعلم أن غرضه في الجملة طيب، وقد وضع كل ثقته في جوب الطيب الشعور، وليس من شك في أن الموقف كان ثقيلا، إن لم نقل «رهيبا»، ولكن في إمكان الرجل المفكر أن يتدبر الأمور في كل حين، فلا عجب إذا أسلمه التفكير إلى سرحة عابرة، لم يلبث نواقيس الكنيسة وهي تدق الحادية عشرة والنصف أن أيقظته منها، فاستوى على قدميه بحذر وهو يقول في نفسه: «هذا هو الموعد»، ورفع عينيه يتطلع إلى البيت، فإذا الأنوار قد انطفأت، وخشب النوافذ قد أغلق، فأدرك أن القوم بلا شك قد أووا إلى مراقدهم، فمشى على أطراف قدميه إلى الباب، فدقه دقة خفيفة، ومرت دقيقتان أو ثلاث دقائق ولم يتلق جوابا، فعاد يطرقه طرقة أوضح من تلك قليلا، ثم دقة ثالثة أكثر منها وضوحا.
وأخيرا سمع مواقع أقدام على السلم، وإذا ضياء شمعة ينبعث من ثقب مفتاح الباب، وطرق أذنه صوت سلاسل تفك، ومزلاج يرفع، وإذا الباب يفتح ببطء.
وكان فتح الباب إلى الخارج، وكلما اتسعت فتحته ازداد المستر بكوك تراجعا خلفه وانزواء، ولشد ما كانت دهشته حين أطل بعينه على سبيل الحذر والاحتياط؛ فتبين أن الشخص الذي فتحه لم يكن جوب تروتر، بل خادمة تحمل في يدها شمعة، فأرجع المستر بكوك رأسه إلى الوراء، بتلك السرعة البالغة التي عرفت عن ذلك الممثل البارع البديع «بنتش»، حين يقف مترصدا لذلك الممثل الهزلي المفرطح الرأس، الذي يحمل صندوقا من القصدير يحوي آلة موسيقية.
وقالت الفتاة تخاطب أخرى من داخل البيت: «لا بد من أن تكون القطة يا سارة.»
ولما لم تجد حيوانا مثلها يعبث بالباب، عادت في رفق تغلقه، وتعيد مزلاجه إلى موضعه، تاركة المستر بكوك لاصقا بالجدار.
وراح المستر بكوك يقول في نفسه: «هذا شيء غريب جدا، أحسبهن ساهرات إلى ما بعد الوقت المألوف، يا للخيبة المتناهية أن يخترن هذه الليلة دون سواها، وهي التي جئت فيها لتحقيق ذلك الهدف، حظ سيئ كل السوء!»
وعاد بكل حذر إلى الركن الذي كان من قبل مختبئا فيه، منتظرا ريثما يتبين أن لا خوف من تكرار الإشارة.
ولم تنقض خمس دقائق عليه في ذلك الموضع، حتى رأى برقا خاطفا يلتمع فجأة في الفضاء، ثم يعقبه قصف رعد شديد تتردد أصديته بعيدا، ويحدث تردادها صوتا مروعا، وإذا برق آخر ينبعث أبهر ضياء من الأول، ثم يتلوه رعد أشد قصفا من سابقه، وإذا المطر ينهمر بقوة مكتسحة كل شيء أمامها.
Unknown page