وواصل رب الفندق حديثه يقول: «كان من الجائز أن يكونا الآن هنا، ولكنهما أرادا أن لا يشق لهما غبار.»
قال واردل: «هو كذلك، والله هو كذلك، مركبة وأربعة خيول في الحال، وسنلحقهما قبل أن يبلغا المرحلة التالية، هلموا يا أولاد، جنيه لكل منكم إذا نشطتم، هيا أظهروا همة يا أيها الفتيان الطيبون.»
ومضى الشيخ بهذه الاحتثاثات والحوافز ونحوها، يروح ويغدو في جنبات الفناء في حالة من الهياج، انتقلت عدواها إلى بكوك أيضا، فلم يلبث هذا تحت تأثير العدوى أن ورط نفسه في عملية الإسراج، وتهيئة الخيل والعجلات، في صورة تبعث أشد الدهشة، اعتقادا جازما منه بأنه بعمله هذا قد يعاون معاونة فعلية في الاستعداد لمواصلة المسير.
وصاح واردل بصاحبه وهو يقفز إلى المركبة، ويرفع سلمها: «ادخل، ادخل.» وانثنى يغلق الباب بعنف في إثره، ويعاود الصياح قائلا: «هيا بنا، أسرعوا.» وقبل أن يعي بكوك شيئا مما حوله أحس بمن يرفعه رفعا من الباب الآخر، وإذا الشيخ يجتذبه إلى الداخل، وصاحب الفندق يدفعه من الخارج، وإذا المركبة منطلقة تنهب الطريق نهبا.
وقال الشيخ الكبير بسرور بالغ: «آه ... نحن الآن متابعون السير حقا.»
والواقع أنهم كانوا كذلك، بدليل ما كان المستر بكوك يحسه بين لحظة وأخرى من الاصطدام مرة بالجزء الخشبي الصلب من المركبة، وأخرى بجسم صاحبه.
وصاح المستر واردل البدين: «اثبت.» حين رأى المستر بكوك يضرب برأسه في بطنه الرحيب، وهو يقول: «لم أشعر بخضخضة كهذه في حياتي.»
وقال صاحبه: «لا عليك؛ فلن تلبث أن تزول، ثباتا، ثباتا.»
وراح المستر بكوك يغرز نفسه في ركنه، محاولا أن يثبت فيه ما استطاع، بينما راحت المركبة أشد سرعة من قبل، وأكثر اندفاعا.
ولبثت على تلك السرعة مارقة حتى قطعت قرابة ثلاثة أميال، أخرج بعدها المستر واردل رأسه من النافذة، وأطل على الطريق دقيقتين أو ثلاث دقائق، ثم أدخل وجهه وقد غمره رشاش من المطر، وصاح لاهثا في لهفة شديدة: «ها هما ...»
Unknown page