153

Mudhakkirat

مذكرات هدى شعراوي

Genres

سيداتي: تذكرن أن وفدا منكن ذهب بتقرير أقرته هذه الجمعية إلى رئيس الوزارة يومئذ صاحب الدولة يحيى باشا إبراهيم، ومما يستحق أن يخلد بجميل الذكر ما نالته هذه الطلبات من عناية دولته؛ إذ قبل انقضاء سنة 1923 صدر المرسوم بمنع مأذوني عقود الزواج عن تحرير أي عقد إلا بعد التثبت من بلوغ البنت السادسة عشرة من عمرها والولد الثامنة عشرة.

وفيما يتعلق بطلب المساواة في التعليم بين الجنسين، قد تلقت الجمعية من صاحب المعالي زكي باشا أبو السعود وزير المعارف في ذلك الوقت كتابا أنه أخذ في درس هذا الطلب ويعد تحقيقه وإجابته قريبا، وها قد تحقق أمر المساواة في التعليم من أوائل سنة 1924.

إذا ذكرنا هذا - ونحن نغتبط بما صادفناه من النجاح - فلا يسعنا أن نمر بدون إظهار أسفنا واستيائنا مما تلا مرسوم الزواج الصريح من صدور منشور سنة 1924 يفسره تفسيرا لا يتفق والروح التشريعية التي صدر من أجلها، إذ إن الحكمة في هذا التشريع صيانة البنت من تصرف والديها تصرفا ضارا بتزويجها تزويجا مبكرا قبل بلوغ تلك السن، فوزير الحقانية أجاز للقضاة في تفسيره أن يقبلوا زواج أية فتاة مهما كانت سنها إذا شهد أبواها أو أحد من أولياء أمرها أنها بلغت السادسة عشرة دون أن يقدموا مع هذه الشهادة ما يؤيدها كورقة الميلاد أو أي وثيقة أخرى رسمية، فكأنه في ذلك اعتبر الخصم حكما، وبهذا أضاع المصلحة وساعد الأولياء على تأدية شهادة قد لا تكون في كثير من الأحوال متفقة مع الواقع.

وإني في هذا المقام مضطرة لأن أطلب من الجمعية الاحتجاج على هذا المنشور، وأن يطلب من معالي وزير الحقانية الحالي إلغاؤه.

أيتها السيدات: إن نجاح الجمعية في فتح طريق التعليم للفتاة إلى آخر مدى، جعلنا نفكر فيما عسى أن يكون من مركز الأم الجاهلة أمام ابنتها المتعلمة؛ إذ كما بعدت الثقة بينهما في قوة الإدراك والحكم على الأشياء ضعف نفوذ الأم وكرامتها في نفس ابنتها، فرأينا علاجا لهذه الحالة أن نصرف همنا أيضا لإصلاح الأم وترقيتها بقدر الإمكان، فأنشأنا دارا سميت «دار التعاون الإصلاحي» لتدريب الأمهات على المسائل الأولية المنزلية وتعليمها مبادئ القراءة والكتابة والحساب وبعض الصنائع اليدوية، وجعلنا بهذه الدار قسما آخر لمعالجة من يؤمه من المرضى الفقيرات وصرف الأدوية مجانا، وتقديم النصائح في كيفية تنظيف أولادهن وتمريضهن وإلقاء محاضرات في قانون الصحة. وكان لنا رجاء أن تنال هذه الدار إقبالا من الأمهات والزوجات الفقيرات معاضدة من السيدات بتطوع فريق منهن لإلقاء هذه المحاضرات والنصائح الصحية بالتناوب بينهن من يوم لآخر، وبالمساعدة المالية التي تمكن الجمعية من إنشاء دور أخرى على هذا النمط في أنحاء متعددة من المدينة، ولكن بقيت هذه الدار وحيدة إلى اليوم، ومما يؤسف له أن السيدات القليلات اللاتي تطوعن في بداية الأمر لإلقاء النصائح على الأمهات، حينما انقطعن عن العمل لأسباب مختلفة، لم يتقدم من يخلفهن في القيام بهذا الواجب الإنساني، وصار القسم الصحي عيادة عادية كالعيادات الأخرى المخصصة للفقراء.

أما القسم الخاص بتعليم القراءة والأشغال، فقد علمتن ما وصل إليه من الرقي والنجاح في مدة قصيرة، وأن ما عرض بنادي الاتحاد النسائي بقصر الدوبارة في أوائل الشهر الجاري من مصنوعات هذا القسم، حاز إعجاب من زاره من جميع الطبقات.

سيداتي: إذا شكوت إليكن من تقصير بعض منا إزاء هذا الواجب الإنساني المقدس، فلي عوض مقابل هذا، وهي تلك اليد البيضاء التي مدها حضرات الأطباء الذين تطوعوا من أول إنشاء هذه الدار بالحضور إلى عيادة المستوصف بعد أن قسموا العمل بينهم يوميا، وكثيرا ما تبرعوا بأموالهم أيضا لمواساة مرضاهم، كما اتفق غير مرة أن يأخذ بعضهم من مرضاه من كان في حاجة إلى إجراء عملية جراحية كبرى بعيادته الخصوصية وقام بإجرائها مجانا.

بجانب هذا العمل الجليل الذي قام به حضرات الدكاترة، قامت سيدة أجنبية بخدمة هذه الدار مدة طويلة، تذهب إليها يوميا من الصباح إلى المساء، تقسم وقتها هناك بين قسم الشغل وبين المستوصف، تدخل في صفوف التلميذات فتراقب أعمالهن ونظافتهن مراقبة دقيقة، وفي الوقت نفسه تلقي النصائح وتجهد نفسها ليكون النظام تاما والسكون سائدا، وعلى العموم كانت تعمل على إصلاح ما تراه ناقصا، ولم تكن في المستوصف أقل نشاطا في القيام بالواجب الإنساني، وطالما ذهبت إلى بيوت المرضى لتتحقق من حالها الصحية وما تحتاج إليه، وما كانت تطرق هذه المنازل كزائرة عادية ولكن كناصحة ومرشدة للخير.

تلك السيدة اليابانية حرم المرحوم أحمد بك فضلي، وفي الواقع كانت اليد اليمنى لإدارة هذه الدار، وكل ما رأيته من تقدم ونجاح، فإنما هو ثمرات مجهودات هذه السيدة الفاضلة. وأنه ليحزنني جدا أن أخبركن أن هذه السيدة بارحت القطر في أوائل هذا الشهر، وقد دعتها إلى السفر ضرورات شخصية، فشيعت منا ومن كل من يعرفها بالعبرات والحسرات.

بعد هذا فوجئنا بصدمة أخرى لوفاة عضو عامل كفؤ في جمعيتنا، تلك هي صغرى أخواتنا الناهضات العاملات الآنسة «فكرية الصلح» وافتها المنية في الأسبوع الماضي وهي في الثالثة والعشرين من عمرها في السن التي لا تفكر فيها مثيلاتها إلا في ملابسهن وزينتهن، كانت كرفيقتها مدام فضلي بك تمضي أيامها في دار الإصلاح دون أن تضن بوقتها ومجهوداتها.

Unknown page