قلت: «كيف تفضل الجاهل على المتعلم العاقل؟ ... وهل يقود الأمم إلا نخبتها أم تقودها العامة والجهلة؟ إن الأمة التي تخضع للعامة تسودها الفوضى».
فقال: «إن الشعب الذي يقوم كما قام الشعب المصري لهو جدير بكل تبجيل، وإنه لشعب نبيل.» قلت: «نعم، ولكنه لم يقم من تلقاء نفسه ... وأنت مثلي تعلم كيف هب ومن الذين ساعدوه على هذا القيام ... وما هم إلا هؤلاء الرجال الذين تسميهم خصومك ... وحرام يا سعد أن تحرم الأمة الانتفاع بهذه العقول النيرة وتلك الكفاءات.» قال: «ولماذا لا ينضمون إلى الوفد؟» قلت: «كيف ينضمون للوفد وليس للوفد برنامج ولهم برنامجهم؟» قال: «كيف؟ ... لنا برنامج.» قلت: «وأين برنامجكم؟» قال: «ألا تعرفين أن برنامجنا هو الوصول إلى الاستقلال التام لمصر والسودان؟» قلت: «هذه غاية الجميع، وهم وضعوا لتحقيقها برنامجا يوضح طريقة الوصول إلى ذلك الاستقلال. لذلك نريد أن تتحدوا لتتفقوا على تنفيذ هذه الوصية.»
قال: «إذن فليأتوا إلي ليعتذروا أولا، ثم بعد ذلك نتباحث.» قلت: «لا يمكنني أن أطلب منهم ذلك بعد كل الشتائم والتهم التي وجهتها إليهم؛ لأن لكل واحد كرامته وعزة نفسه.» قال: «أتريدين أن أذهب أنا إليهم؟» قلت: «لا ... هناك طريقة تسهل عليكم هذا الأمر، يمكنكم أن تشرفوني وتحددوا موعدا لهذا التشريف، وأنا أدعوهم للحضور والاجتماع بكم في أي وقت تريدون، وإن كنت لا تود أن يعرف أحد أن هذا الاجتماع قد انعقد عندي أو أنني قد نلت هذا الشرف، فلك ألا يعرف أحد ذلك حتى أهل منزلي ... ويمكنك أن تنسب ذلك إلى مسعى الأمير عمر طوسون باشا الذي كان له الفضل الأول في السعي لهذا الاتحاد.» قال: «لا ... لا يمكنني أن أتنازل عن رأيي وهو وجوب انضمامهم إلى الوفد إذا كانوا يريدون الاتحاد» ... وهنا رأيت أن لا فائدة من الإلحاح ... لا سيما وقد استغرقت المقابلة أكثر من ثلاث ساعات، وقمت متأهبة للخروج، فأوصلني حتى السلم ، وهناك وضع يده على كتفي وقال: «لماذا لا تشتغلين معي؟» ... قلت: «لا، أنا مع الحق». فقال محتدا: «وهل أنا الباطل؟» فقلت: «لا أعلم.» قال: «غدا ترين ما يحل بك!» ... قلت: «أنا لا أخشى شيئا لأنني واثقة بأنني لا أعمل لأي غرض إلا لخدمة بلادي، وإن يدك يا سعد لن تصل إلي ولو فرضنا أنك ستحرض علي صبيان الوفد ليرموا منزلي بالحجارة أو ليقتلني أحدهم، فهذا كل ما أتمناه، وهو أقل تضحية في سبيل خدمة بلادي.»
الفصل الحادي والثلاثون
دخلت المرأة المصرية في الحياة العامة من باب السياسة؛ لأننا في الوقت الذي كنا نفكر فيه في إصلاح حال المرأة وتنويرها، قامت ثورة 1919، وكان حتما أن يقف كل مصري ومصرية في صفوف الثوار حتى تنال بلادنا استقلالها وحريتها، وتكون صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في أمورها ومستقبلها، ولقد كانت المرأة المصرية صورة طيبة للمشاركة وصدق المشاعر الوطنية، حتى إن الكتاب قارنوا بين موقفها وموقف بعض الرجال، واعترفوا للمرأة بأنها أكثر إيجابية وموضوعية.
وبعد أن استقرت الأمور بعض الشيء في عام 1926 كان علينا أن نتجه بالجهد الأكبر إلى المجال الاجتماعي وأن نهتم بالقضايا الاجتماعية والنسائية باعتبار أن المرأة هي نصف مجموع الأمة، وكل ما تحققه ينعكس على الحياة العامة ويدفع إلى تطور المجتمع.
ولذلك فقد دعوت نساء مصر إلى لقاء في جمعية الاتحاد النسائي المصري في نهاية أبريل 1926، وألقيت فيهن خطابا حول القضايا الاجتماعية والنسائية.
وقد نشرت بعض الصحف هذا الخطاب في أول مايو 1926. وقد جاء فيه:
حضرات السيدات
دعوتكن اليوم لا لأعرض عليكن عملا من الأعمال السياسية التي ألفنا غير مرة الاجتماع للتحدث عن شأن من شئونها، ولا لأحدثكن عن شأن من شئون أي حزب من الأحزاب التي تشتغل بهذه السياسة، فإني أرى اشتغال المرأة بمثل هذه الشئون كان يجب أن يكون بعد أن تنظم من شأنها في العائلة مركزها في المجتمع.
Unknown page