وقرأت في كتاب للهند: العدو إذا احث صداقة لعلة الجأته اليها فمع ذهاب العلة رجوع العداوة كالماء يسخن فإذا رفع عاد باردًا.
وليس من عداوة الجوهر صلح الا ريثما يعود إلى العداوة وليس صلح العدو بموثوق به ولا مركون إليه فان الماء ان هو سخن بالنار واطيل اسخانه لم يمنعه ذلك من اطفاء النار إذا صب عليها.
ليس بين عداوة الجوهرية صلح الا ريثما ينتكث كالماء ان اطيل اسخانه فانه لا يمتنع من اطفاء النار إذا صب عليها.
فاني قد علمت ان الضعيف هو اقرب إلى ان يسلم من العدو القوي إذا هو احترس منه ولم يغترر به من القوي إذا اغتر بالضعيف واسترسل إليه.
والعاقل يصانع عدوه إذا اضطر إليه فيظهر له وده ويريه من نفسه الاسترسال إليه إذا لم يجد من ذلك بدًا ويعجل الانصراف عنه إذا وجد إلى ذلك سبيلا.
ان للاحقاد في القلوب لمواقع موجعة خفية فالالسن لا تصدق على القلوب والقلب اعدل على القلب شهادة من اللسان.
ان الاحقاد مخوفة حيث كانت واشدها ما كان في انفس الملوك فان الملوك يدينون بالانتقام ويرون الطلب بالوتر مكرمة وفخرًا.
ولا ينبغي للعاقل ان يغتر بسكون الحقود فانما مثل الحقد في القلب ما لم يجد متحركًا مثل الجمر الكنون ما لم يجد حطبًا. فلا يزال الحقد يتطلع إلى اعلل كما تبتغي النار الحطب فإذا وجد علة استعر استعار النار فلا يطفئه ماء ولا كلام ولا لين ولا رفق..
واكيس الاقوام من لم يكن يلتمس الامر بالقتال ما وجد إلى غير القتال سبيلًا فان النفقة في القتال من الانفس وغير ذلك انما النفقة فيه من الاموال..
وقرأت في كتاب للهند: ... ويكره " الحازم " القتال ما وجد بدًا لان النفقة فيه من الانفس والنفقة في غيره من المال.
ولا تغترن بسلطانك عليهم فيدعوك ذلك إلى استصغارهم والتهاون بأمرهم فان الحشيش الضعيف إذا جمع فتل منه الحبل القوي الذي يوثق به الفيل المغتلم الشديد.
وقد قيل: لو ان امرأ توسد النار وافترش الحيات كان احق بأن يهنئه النوم عليها منه إذا احس من صاحبه الذي يغدو عليه ويروح بعداوة يريد بها نفسه.
ان صاحب الضرس المأكول لا يزال في اذى منه حتى يفارقه.
والطعام الذي غثيت منه النفس راحتها في قذفه.
والعدو المخوف دواؤه في فقده أو قهره.
فانهم كانوا يقولون: ليس للعدو الحنق الذي لا يطاق الا الهرب منه والتباعد عنه.
... وما الرأي الا ان نذكي العيون والطلائع بيننا وبين العدو وننظر هل يقبلن صلحًا أو فدية أو خراجًا نؤديه اليهن.
بل ترك اوطاننا والاصطبار على الغربة وشدة المعيشة احب إلينا من وضع احسابنا والخضوع لعدونا الذي نحن خير منه واشرف.
وقد يقال: قارب عدوك بعض المقاربة تنل منه حاجتك ولا تقاربه كل المقاربة فيجترئ عليك بها ويضعف ويذل لها جندك. ومثل ذلك مثل الخشبة القائمة في الشمس فإن املتها قليلًا زاد ظلها وان جاوزت الحد في امالتها ذهب الظل.
وكان يقال: قارب عدوك بعض المقاربة تنل حاجتك ولا تقاربه كل المقاربة فيجترئ عليك عدوك وتذل نفسك ويرغب عنك ناصرك. ومثل ذلك مثل العود المنصوب في الشمس ان املته قليلًا زاد ظله وان جاوزت الحد في امالته نقص الظل.
قرأت في كتاب للهند: بعض المقاربة حزم وكل المقاربة عجز كالخشبة المنصوبة في الشمس تمال فيزيد ظلها ويفرط في الامالة فينقص الظل.
قارب عدوك بعض المقاربة تنل حاجتك منه ولا تقاربه كل المقاربة فيجترئ عليك مع ما تذل به نفسك ويرعب ناصرك. والمثل في ذلك مثل العود المنصوب في الشمس ان أملته قليلًا زاد ظله وان جاوزت الحد في امالته نقص الظل.
فان العاقل لا يأمن عدوه على كل حال ان كان بعيدًا لم يأمن من معاودته وان كان متكشفًا لم يأمن استطراده وان كان قريبًا لم يأمن مواثبته وان كان وحيدًا لم يأمن مكره.
الحازم لا يأمن عدوه على كل حال ان كان بعيدًا لم يأمن من معاودته وان كان قريبًا لم يأمن مواثبته وان رآه متكشفًا لم يأمن استطراده كمينه وان رآه وحيدًا لم يأمن مكره.
الحازم يحذر عدوه على كل حال. يحذر المواثبة ان قرب والغارة ان بعد والكمين ان انكشف والاستطراد ان ولى والمكر ان رآه وحيدًا.
1 / 30