فإن قلت: هل يقال إن غير القرآن من كلام الله معجز كالتوراة والإنجيل؟
فالجواب ليس شيء من ذلك معجزًا في النظم والتأليف، وإن كان معجزًا
كالقرآن فيما يتضمن من الإخبار بالغيوب.
وإنما لم يكن معجزًا لأن الله لم يصفه بما وصف به القرآن، ولأنّا قد علمنا أنه لم يقع التحدي إليه كما وقع في القرآن، ولأن ذلك اللسان لا يتأتى فيه من وجوه الفصاحة ما يقع به التفاضل الذي ينتهي إلى حد الإعجاز.
وقد ذكر ابن جنيّ في الخاطريات في قوله تعالى: (يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (٦٥) .
أن العدول عن قوله: وإما أن نلقي لغرضين:
أحدهما - لفظي، وهو المزاوجة لرؤوس الآي.
والثاني - معنوي، وهو أنه تعالى أراد أن يخبر عن قوة أنفس السحرة واستطالتهم على موسى، فجاء عنهم باللفظ أتم وأوفى منهم في إسنادهم الفعل إليه.
تم أورد سؤالا، وهو أنا نعلم أن السحرة لم يكونوا أهل لسان، فنذهب بهم
هذا المذهب من صنعَة الكلام.
وأجاب بأن جميع ما ورد في القرآن حكاية عن غير أهل اللسان من القرون
الخالية إنما هو معرَّب عن معانيهم، وليس هو بحقيقة ألفاظهم.
ولهذا لا يشك أن قوله تعالى: (قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (٦٣) .
إن هذه الفصاحة لم تجر على لغة العجم.
قال أبو حيان التوحيدي: سئل بُندار الفارسي عن موضع الإعجاز من
القرآن، فقال: هذه مسألة فيها حَيْف على المفتي، وذلك أنه شبيه بقولكم موضع الإنسان من الإنسان، فليس للإنسان موضع من الإنسان، بل متى أشرت إلى جملته فقدت حقيقته ودللت على ذاته، كذلك القرآن لشرفه لا ئشار إلى شيء منه إلا وكان ذلك المعنى آية في نفسه ومعجزة لمحاوِله، وأهدى لقائله، وليس
1 / 10