القول في منافع الشراب ومضاره وصنوفه : الشراب المسكر يسخن البدن، ويعين على هضم الطعام في المعدة، وسرعة تنفيذه إلى الكبد، وجودة هضمه، وتنفيذه إلى العروق وسائر البدن، ويسكن العطش إذا مزج بالماء ويخصب البدن متى شرب على أغذية كثيرة الغذاء، ويحسن اللون، ويدفع الفضول جميعها، ويسهل خروجها من البدن، بالنجو والبول والعرق، والتحلل الخفي الذي بالمسام، ويخرج الصفراء أيضا في البول يوما فيوما، فيمنع أن يكثر كميتها وكيفيتها، فهو لذلك عون عظيم على حفظ الصحة، إذا شرب على ما ينبغي، ويصلح وقتا وقتا بالقدر المعتدل، الذي تعهده الطبيعة، وتستولي عليه، ويطيب النوم ويثقله، فتستريح لذلك آلات النفس راحة أكثر من راحتها عند النوم على غير الشراب، فيكون البدن من بعد ذلك النوم أقوى، والجراحات أخف، والحواس أذكى، والهضم أجود. ومن تركه ممن يعتاده برد بدنه، وهاجت به الأمراض السوداوية، وضعفت هضومه كلها، والمقدار الذي ينتفع به في هذه الوجوه ثلاث كميات: أولها: أن يشرب بعد الطعام بقدر ما يسكن العطش سكونا تاما، ولا يزاد غير ذلك من تفريح النفس وإطرابها، وهذا هو الحد للمحرورين، ولأصحاب الأبدان الملتهبة جدا، ولمن يحم ويحمي جسمه عليه. والحد الثاني: أن يؤخذ منه إلى أن يبلغ أن يسر النفس ويطربها، باعتدال في ذلك، من غير ثقل في الرأس والحواس، ولا يميل إلى النوم الشديد. وأما ما جاوز ذلك إلى لجلجة اللسان، وفقد صحة العقل، واضطراب مفاصل البدن، وضعفها عن الحركات، فإنها حالة السكر، وذلك ضار في وجوه كثيرة، ولا سيما إذا تواترت وتردافت. وقد ينفع إذا كان في الشهر مرة أو مرتين، فإن هذه الحالة تسخن البدن وترطبه، وترقق أخلاطه، وتفتح مجاريه، وتحلل كل ما بدأ ينعقد إذا لم يشرب الماء في ذلك اليوم. ومما يحفظ الصحة أن يشرب الخمر يوما، والماء يومين أو ثلاثة؛ وأما تواتر السكر، وشربه على الخمار، فجالب للأمراض المهلكة، كالصرع، والرعشة، والفالج، والأمراض الحارة، وتورم الأحشاء، لا سيما الكبد، والدبيلات، والجراحات، وفساد العقل، وكدر الحواس، وضعف الحركات، وترهل البدن، وذهاب شهوة الطعام. وهو يختلف في أفعاله هذه بحسب اختلاف أنواعه. والشراب الأسود الغليظ الحلو، أكثرها غذاء وتوليدا للدم الغليظ الأسود، وهو شر لمن يعتريه الأمراض السوداوية، وجيد لمن يريد أن يزيد لحمه، وللمنهوكين. والأبيض الرقيق أقلها غذاء، أوفقها للمحرورين، والأحمر المعتدل في غلظه ورقته أعدل الشراب، وهو يولد دما جيدا؛ وأما الأصفر القوي الطعم جدا، فإنه يسخن إسخانا قويا، ويضر أصحاب الأمزجة الحارة، إلا أن يكثروا مزاجه جدا، ويتنقلوا بالفواكه الباردة. والريحاني منه أكثر صعودا إلى الرأس، وتصديعا له، فينبغي أن يحذره من يعتريه الصداع والرمد، ويسرع إلى رأسه الامتلاء، ويدفع مضرته متى اضطر إلى شربه: شم الرياحين الباردة، والكافور والماورد والصندل، وتدبير الرأس بها وبالخل، وبدهن الورد، والتنقل عليه بالسفرجل. والعتيق أكثر تجفيفا للبدن، وأقل بخارا، والحديث كثير البخار، إلا أن بخاره رطب، لا ينكي الرأس كثير نكاية، كما ينكيه الريحاني. والكدر من الشراب أوفق للمحرورين، غير أنه يسقط شهوة الباه. ونبيذ الزبيب المجرد يذهب مذهب الشراب الأسود الغليظ، وهو أقل إسخانا، وأشد قبضا، والمعسل يسخن إسخانا قويا، وينقي الكلى، وينفع من أوجاع المفاصل. ونبيذ العسل ملهب جدا، كثير التوليد للمرار، ونبيذ التمر والدوشاب كثير التوليد للدم العكر، قليل المعونة على الهضم، مطلق للبطن إطلاقا ليس بنافع جدا، بل من إزلاق وثقل على الطبيعة، ونبيذ السكر مصدع، سريع الصعود إلى الرأس، إلا أنه يدر البول، وينقي الكلى والمثانة، ويذهب بخشونة الصدر والرئة. وأما من يحدث به عن إدمان الشراب ذهاب شهوة الطعام والغثي وتقلب النفس، وتكسير البدن، مع ثقل الرأس، ونوم مضطرب وتشويش، فإن هذه أعراض الخمار، والخمار تخمة من النبيذ، فينبغي إذا حدث ذلك أن يطلب النوم مدة طويلة، ويغمز منه الأطراف، ثم يدخل الحمام ويصب على الرأس ماء فاترا كثيرا، ثم يخرج فيستريح؛ فإن خفت الأعراض، وجاءت شهوة الطعام، فذاك، وإلا طلب النوم أيضا والسكون، ثم عاود الحمام، حتى تخف الأعراض، وترجع الشهوة، ويتقيأ بالسكنجبين، والماء الفاتر مرات، حتى يخرج من المعدة أولا، ثم يشرب رب الرمان والسفرجل أو الريباس، وفيه من الطين النيسابوري، ويجعل أكله إذا عادت الشهوة فراريج بماء حصرم ونعنع كثير؛ ومما يسكن عادية الخمار الجلاب بالبلح والفقاح، وربوب الفواكه الحامضة القابضة. « ج » الخمر: هو ماء العنب المعتصر المصفى. يجعل في الجرار المقيرة في الشمس، ليغلى ويخرج زبده، ثم يطين. ومما يمنعه من الغليان وظهور الزبد طرح الخردل في رؤوس الجرار، فإنه لا يغلي، ويخرج بذلك عن كونه خمرا، فيحل على رأي بعض الفقهاء. والخمر يختلف من قبل ألوانه، وأراييجه، وطعومه، وقوامه، وأزمانه في حديثه وعتيقه. فالأبيض أقل حرارة وغذاء، وأسرع انحدارا؛ والأسود بالضد، والعطر يولد دما جيدا، والكريه الرائحة بالضد، والحلو سريع الانهضام، ويطلق الطبع دون البول، والقابض بالضد، والذي بدا يحمض ينفع أصحاب المرة الصفراء، والغليظ كثير الغذاء، بطيء النفوذ؛ واللطيف بالضد؛ والحديث منفخ، والعتيق مجفف، وأجوده المعتدل القوام، الأصفر اللون، الريحاني، المتوسط بين العتيق والحديث. وهو حار يابس في الدرجة الثانية، ينفع من الشهوة الكلبية، والرمد البلغمي. والغثي، ويشفي من السموم، ويجود الهضم. وإذا مزجت سكنت العطش، وهو يدر البول، ويسهل الطبع، ويسر النفس. والإفراط في شربها يضر بالعقل والطحال والكبد الضعيفتين، ويبطل الباءة، ويقلل شهوة الغذاء، ويحدث النسيان، والبخر، والرعشة، والدمع، وضعف البصر، والغضب، والحميات، والتبلد، والصرع، والسكتة، والموت فجأة، وشربه على الريق بعد التعب يحدث جفافا والتهابا وأوجاعا.وأما ما يمنع السكر، فبزر الكرنب، برب الحصرم، ويقلل الغذاء، ويأكل الفالوذج السكري، ويشم اللينوفر، والمحرور يتنقل الرمان المز والتفاح المز. وأصل الخس والجمار، ويغتذي قبل الشراب بالسماقية والرمانية والحصرمية. « ف » معروف. وأصنافه كثيرة، مختاره الأصفر الريحاني، وهو حار يابس في الثانية، يقوي القلب، وينعش الحرارة الغريزية ويقويها، ويبثها في جميع البدن، ويقوي النفس، ويحدث لها سرورا وفرحا ونشاطا، إذا استعمل بمقدار معتدل، في وقت الحاجة. والشربة: مقدار الحاجة.
Page 173